تجسد قصة الرئيس الأميركي جو بايدن تحولاً مثيراً في مسيرته السياسية، حيث يروي أنه كان قد اعتزل حياة السياسة وانغمس في السعادة بحياته الخاصة. ومع ذلك، فإن رد فعل دونالد ترامب على أحداث مسيرة العنصريين البيض في شارلوتسفيل عام 2017 كان حافزاً له للتفكير مجدداً في التوجه نحو العمل العام. وفقًا لمقال كتبه بيتر بينارت في صحيفة “نيويورك تايمز”، أدرك بايدن أن وجود ترامب وحلفائه يهدد ما يُعرف بـ”روح الأمة”، وهي روح مستمدة من التزام الشعب الأميركي بالمساواة. هذا الوعي دفع بايدن إلى العودة إلى الساحة السياسية، حيث أكد على أهمية الدفاع عن المساواة كجزء من الحفاظ على الديمقراطية الأميركية وتعزيز صورة البلاد في الخارج.

أشار بايدن إلى أحداث شارلوتسفيل في حملته الانتخابية عام 2020، حيث ربط ذلك بميراث توماس جيفرسون، الذي كان يؤمن بأن “كل الناس خُلقوا متساوين”. وفي خطاب ترشحه، أعلن أن الهدف العظيم للأميركيين هو استعادة دورهم كمثال يُحتذى به في العالم. وعبر عن التزامه بالمثل العليا التي نص عليها الدستور، مشدداً على حق الجميع في المساواة بغض النظر عن الجنس أو العرق. وفي كلمة التنصيب، أكد بايدن عزيمته على جعل الولايات المتحدة “منارة للعالم”، مستنداً إلى مفهوم المساواة لمواجهة النزعات القومية البيضاء في الداخل وتهديدات الاستبداد في الخارج.

غير أن هذه الصورة التي رسمها بايدن بدأت تتعرض للتحديات، خاصة مع دعمه الثابت لإسرائيل في تعاملاتها مع الفلسطينيين. يرى بينارت أن هذا الدعم قد أضعف موقف بايدن، حيث يتعارض مع المبادئ التي تعهد بالدفاع عنها، إذ أن النظام السياسي الإسرائيلي يقوم على أسس دينية وعرقية واضحة تجعل معظم الفلسطينيين غير قادرين على الحصول على حقوق المواطنين. وقد أدى هذا التناقض إلى انتقادات حادة لحكومة بايدن وممارساتها في السياسة الخارجية.

وفي ظل الوضع الراهن في قطاع غزة، يصبح من الصعب على بايدن تجاهل التناقض بين القيم التي يدعو لها والواقع الذي تفرضه الأحداث. ففي الوقت الذي يظهر فيه تعاطفاً مع المعاناة التي تواجهها إسرائيل، يشعر الكثيرون بأنه يتجاهل المعاناة الأكبر التي تعرض لها الفلسطينيون. كما أن الإدارة الأميركية تبدو وكأنها تميز بين الضحايا بحسب جنسيتهم، مما يزيد من انتقادات الديمقراطيين لسياسات بايدن. تظهر استطلاعات الرأي أن سياساته تجاه غزة تُعتبر من أكبر إخفاقاته في المجال الخارجي، لا سيما بين الناخبين الشباب.

تشير النتائج إلى أن غالبية الأميركيين ممن هم أقل من 30 عاماً لا يوافقون على سياسة بايدن في التعامل مع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وهذا يعكس الفجوة الكبيرة بين القيم التي يُعلن عنها بايدن وأفعاله في الواقع. إذ يجد بينارت أن دعم بايدن غير المشروط لإسرائيل قد أثّر سلباً على سمعته ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل أيضاً على الساحة الدولية، حيث يُنظر إلى هذا الموقف على أنه يتعارض مع المبادئ الديمقراطية التي يُفترض أن تدافع عنها أمريكا.

في ختام مقاله، يناقش بينارت التحديات التي يواجهها بايدن في إدارة صراعات السياسة الخارجية بمعايير تتماشى مع المثل العليا التي يدعو لها. إن الفجوة بين الأقوال والأفعال قد تؤثر على قدرة بايدن في تعزيز مكانة أميركا كداعم للديمقراطية وحقوق الإنسان. بينما تحدد هذه الاختيارات ليس فقط الأمور السياسية، بل أيضاً تورط أمريكا في الأزمات الدولية مستقبلاً، مما يجعل السؤال حول قدرة بايدن على موازنة هذه الضغوط مع التزاماته المعلنة مفتوحًا.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version