الرباط- مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، وفي ظل استعدادات المغرب لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030، تحتدم المنافسة بين الأحزاب السياسية حول من سيقود الحكومة المقبلة، في مشهد يعكس تباين الرؤى بين أحزاب الأغلبية والمعارضة بشأن ملامح المرحلة القادمة.

وبات مصطلح “حكومة المونديال” يتكرر في الخطاب السياسي المغربي، ويثير تساؤلات عن طبيعتها، فيما إذا كانت حكومة تدير ملف المونديال مؤقتا؟ أم من المفترض أن تجعل منه انطلاقة تنموية؟

ويرى المحلل السياسي محمد شقير أن الحكومات المغربية تنبثق دستوريا من الانتخابات ويعينها الملك، وتصنف من خلال اسم رئيس الحكومة، وبالتالي فإن استعمال هذا المصطلح يندرج ضمن المنافسة السياسية والانتخابية، كما أنه غير دقيق، لأن المغرب سينظم الحدث العالمي بالاشتراك مع دول أخرى.

المتحدث باسم الحكومة المغربية: المرحلة القادمة تقتضي إعادة الحياة للمناطق المتضررة

احتمال المعنى

ويضيف شقير للجزيرة نت أن إطلاق هذا المصطلح قد يكون بهدف جذب الناخبين وتقليل العزوف الانتخابي، خاصة مع شغف الشباب بكرة القدم.

من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية عبد الله أبو عوض الحسني إن المصطلح يحتمل معنيين، إما أن الحكومة القادمة ستشرف على تنظيم الحدث، أو أنها ستتحمل عبء البرامج التنموية والإصلاحات الهيكلية التي وضعت لاستقبال المونديال، أي أنها “حكومة البرامج التنموية”.

ويضيف للجزيرة نت أن المستفيد الأكبر من المونديال سيكون البنية التحتية والقطاع السياحي، لكنه يُحذر من أن معدلات التنمية في الدول النامية التي استضافت المونديال كانت ضعيفة مقارنة بالضجيج الإعلامي الذي يسبق الحدث.

وعند استعراض خطابات الأحزاب المؤثرة في المشهد السياسي، نجد أن أحزاب الأغلبية الحكومية المشكلة من حزب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال تطمح في الاستمرار وقيادة المرحلة المقبلة، بينما تطالب أحزاب المعارضة بتغيير جذري وإفراز حكومة جديدة بمقاربة مختلفة.

تنافس شعارات

واعتبر حزب التجمع الوطني للأحرار (يقود الحكومة الحالية) أن مظاهر الضعف تكمن في المعارضة، وأنه سيقود الحكومة حتى سنة 2032 بفضل ما حققه من إنجازات.

وبينما يسعى حزب الأصالة والمعاصرة لقيادة الحكومة القادمة من أجل “تنزيل مشروع الحزب الطموح”، يدعو حزب الاستقلال إلى عدم الانخراط في صراع انتخابي مبكر حول رئاسة الحكومة، لكنه شدد على أحقية حزبه في تصدر المشهد السياسي المقبل.

ومن جانب المعارضة، أكد حزب التقدم والاشتراكية أنه سيقدم “برنامجا بديلا ينطلق من الإنصات لمطالب المواطنين”، بينما يرى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن الديمقراطية تحتاج إلى “إنعاش حقيقي”، داعيا إلى تنظيم انتخابات نزيهة، تمنح فيها الأولوية لـ”شعب المونديال” بدلا من الانشغال بـ”حكومة المونديال”.

أما حزب العدالة والتنمية، فاعتبر أن الحكومة الحالية “سقطت سياسيا وإن بقيت دستوريا”، وأكد أنه يستعد للانتخابات المقبلة بثقة، مستندا إلى “التفاف الشعب حول مشروع الحزب الأخلاقي والسياسي”.

بينما وجَّه حزب الحركة الشعبية انتقادات لاذعة إلى أحزاب الأغلبية، معتبرا أن إعلانهم عن نوايا انتخابية مبكرة هو “استفزاز للمغاربة”، في وقت تتفاقم فيه “انشغالات المواطنين مع الغلاء وتراجع الخدمات الأساسية”.

عبد الحفيظ اليونسي يرى أن الخطاب السياسي يركز على الدعاية ولا يتابع أداء الحكومة بعد الانتخاب (الجزيرة)

مزايدات سياسية

وفي خضم هذه التصريحات تبرز تساؤلات ملحة عن استعداد الأحزاب وخلفياتها السياسية والانتخابية.

ويرى أستاذ القانون الدستوري عبد الحفيظ اليونسي أن الخطاب السياسي في المغرب، ومنذ انتخابات 2011، يركز بشكل كبير على الحملات الانتخابية دون الاهتمام الكافي بفعالية الأداء الحكومي بعد تشكيلها.

ويقول للجزيرة نت إن رهن العملية التنموية للمشاريع الانتخابية قبل سنة أو سنتين من الانتخابات “غير معقول”، ويدل على “ثقافة حزبية غير مقبولة”.

ويلفت إلى أن المنافسة بين الأحزاب تدور أساسا حول الظفر بالمقاعد وليس حول الأفكار أو المشاريع التنموية، مما يثير قلقا بشأن قدرة الأحزاب على الارتقاء لمستوى الفترة المقبلة، التي يميزها هذا الحدث العالمي.

بينما يعتقد الخبير السياسي والإستراتيجي مولاي هشام معتضد أن النقاش الحزبي الحالي، رغم مظهره النشط، لا يتجاوز المزايدات السياسية، واصفا إياه بتمرين في “العلاقات العامة” أكثر من كونه تقديم بدائل إستراتيجية.

ويرى في حديثه للجزيرة نت ضرورة انتقال الأحزاب من اللغة الترويجية إلى تقديم تصورات واقعية حول تدبير لوجيستيات المونديال وتنمية الجهات المشاركة، وإلا فإن “حكومة المونديال” قد تكون مجرد حكومة تكنوقراط بغطاء سياسي.

الدور الرسمي

من جهة ثانية، تتباين الآراء حول تأثير الأحزاب السياسية على مشاريع “مونديال 2030” في المغرب، وهل هي شريك فاعل أم مجرد هامش في خطة الدولة؟

ويعتقد الأكاديمي معتضد أن الدولة المغربية تمتلك الأدوات الكافية للحد من تداعيات الصراعات الحزبية، خاصة في المشاريع الكبرى.

ويقترح تفعيل آليات الرقابة والمساءلة الإدارية والمالية باستقلالية تامة، مؤكدا أن تدخل الدولة ضروري عندما تعرقل الصراعات الحزبية برامج التنمية، بهدف إعادة ترتيب الأولويات وفق مصلحة المواطن.

ويدعو لتعزيز منطق المؤسسات على الحسابات الحزبية الضيقة، وتقوية ثقافة “المصلحة العامة” خاصة في محطات كبرى مثل التحضير للمونديال.

الأكاديمي مولاي هشام معتضد يؤكد أن الدولة يمكنها وقف تداعيات الصراعات الحزبية (الجزيرة)

في حين يذهب المحلل شقير أبعد من ذلك، معتبرا أن تنظيم المونديال مشروع ملكي أساسا، وأن كل المشاريع المتعلقة بتنظيمه أسندت إلى لجنة خاصة، وبالتالي فإن الأحزاب التي دخلت في حملة انتخابية سابقة لأوانها عليها التركيز على المطالب الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.

بدوره، يؤكد الأكاديمي اليونسي أن الحكومة تتحمل كامل المسؤولية في تنزيل السياسات العمومية، بما فيها مشاريع المونديال، عبر القنوات الرسمية، وهذا يعني أن المسؤولية السياسية للحكومة قائمة، وكذلك مسؤولية الأحزاب التي تشكل ائتلافها.

وفي المقابل، يؤكد الحضور القوي للدولة والمؤسسة الملكية في الإشراف على هذه المشاريع، وذلك لا يمنع من ربط المسؤولية بالمحاسبة في مشاريع سابقة كانت تحت إشرافها، كما حدث مع مسؤولين بما فيهم وزراء.

تأثير المعارضة ودورها

إلى جانب مسؤولية الدولة والأحزاب المشكلة للحكومة، يبرز أيضا دور المعارضة الرقابي لضمان استعداد أمثل لاحتضان المونديال.

ويشير الخبير معتضد إلى أن هذه المعارضة، بالرغم من امتلاكها لأصوات جريئة، غالبا ما يقتصر عملها على ردود فعل آنية أو سجالات إعلامية، بدلا من تقديم تقارير تحليلية وبدائل حقيقية، مما يحولها إلى مجرد تعبير احتجاجي دون تأثير فعلي على تنفيذ السياسات العمومية.

ويدعو المعارضة إلى تحديث أدوات اشتغالها لمراقبة مشاريع المونديال الضخمة، لتتحول إلى قوة اقتراحية تقدم بدائل واضحة ومدعومة بالحقائق، مما قد يعيد لها المصداقية ويؤثر في التوازنات الانتخابية لعام 2026.

في حين يؤكد المحلل شقير أن المعارضة يمكن أن تركز على مساءلة الحكومة حول مدى استفادة باقي الأقاليم خارج محور مدن المونديال، وأيضا المطالبة بتحسين أوضاع الفئات المهمشة ومنع استغلال رجال الأعمال للأمر.

أما الأكاديمي أبو عوض فيرى أن المعارضة “استفاقت متأخرة”، لكن عملها في تقويم العمل الحكومي يبقى أساسيا، خاصة أن استشراف المستقبل في تتبع المشاريع الكبرى يتطلب تثمين مفهوم المعارضة في الشأن السياسي، ليكون طريق الانتخابات القادمة متوافقا مع التطلعات السياسية، وأكد أن الانتخابات المقبلة “مختلفة تماما عن سابقاتها”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version