في يونيو/حزيران 2023، قبل ثلاثة أشهر من اغتياله في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، ألقى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، خطابًا تحذيريًا غير تقليدي موجهًا إلى قبرص. وحذر نصر الله الحكومة القبرصية من أن فتح المطارات والقواعد القبرصية للاحتلال الإسرائيلي لاستهداف لبنان يعني أن قبرص ستصبح جزءًا من الحرب، مما يستدعي تعامل المقاومة معها بشكل مماثل. الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليديس، نفى هذه الاتهامات واعتبرها غير لطيفة، مشيرًا إلى أن قبرص تلعب دورًا إنسانيًا في الأزمة، وخاصةً من خلال فتح ممرات بحرية لإيصال المساعدات إلى غزة.
التحذير الذي ألقاه نصر الله يعكس تحولًا كبيرًا في نظرته إلى قبرص، التي كانت تاريخيًا خصمًا للفلسطينيين. ووفقًا لجوزيف مسعد، أستاذ السياسة العربية في جامعة كولومبيا، فإن هناك تاريخًا طويلًا من الأطماع الصهيونية في قبرص، حيث كانت الحركة الصهيونية تسعى لإنشاء مستعمرات يهودية في الجزيرة. في القرن التاسع عشر، تم تأسيس مستعمرات يهودية صغيرة، لكن تلك التجارب لم تحقق النجاح المرجو، واقتصر الاهتمام الصهيوني على فلسطين نفسها. بالرغم من ذلك، فإن التاريخ الأثري والعلاقات المعقدة بين القبارصة والصهاينة كانت تسهم في تعزيز موقف قبرص الداعم لقضية فلسطين.
على مدار السنوات، تغيرت العلاقات بين قبرص وإسرائيل بشكل جذري. بعد انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004، انحازت رسميًا إلى التحالف الغربي، الذي يتضمن دعمًا لإسرائيل. بمرور الوقت، أدت اكتشافات الغاز في البحر المتوسط إلى زيادة المصلحة المشتركة بين قبرص وإسرائيل، مما أدى إلى إقامة علاقات عسكرية وثيقة، حيث أصبحت قبرص تُعتبر “فناء خلفيًا” لإسرائيل، وهو ما أثار قلق نصر الله ودفعه إلى التحذير من أن قبرص ستكون جزءًا من الحرب الإسرائيلية.
العلاقات العسكرية بين قبرص وإسرائيل قديمة وقد تطورت منذ عام 2014، حيث تتم العديد من المناورات العسكرية الإسرائيلية في قبرص. هذه المناورات تحمل رسائل تهديد واضحة للجهات الإقليمية، مثل حزب الله. تتم عمليات المناورة في ظروف تفتقر فيها قبرص إلى الخبرات العسكرية الكبيرة، مما أثار تساؤلات حول دوافع هذه التدريبات. وجدت تقارير صحفية تشير إلى أن نوايا إسرائيل في تحصيل قاعدة عسكرية في قبرص قد تكون أكبر مما يُعلَن عنه رسميًا.
على صعيد آخر، فإن العلاقات العسكرية والدفاعية بين قبرص وإسرائيل يحظى بالدعم الأميركي، حيث اعتمدت الولايات المتحدة شراكة أمنية مع قبرص وشجعت التعاون بينها وبين إسرائيل. هذا الدعم يعكس التقييمات الاستراتيجية الأميركية التي ترغب في تقييد النفوذ الروسي في المنطقة، بعد أن وافقت قبرص على التعاون مع الدول الغربية. كانت هذه العلاقات العسكرية بمثابة مركز للعمليات العسكرية الغربية خلال الأزمات، كما يظهر ذلك في الهجمات والعمليات العسكرية المختلفة التي انطلقت من قبرص لدعم إسرائيل.
في ختام هذا النقاش، يبدو واضحًا أن العلاقة بين قبرص وإسرائيل قد انتقلت من مواجهة تاريخية إلى تعاون يشمل كافة المجالات، بما فيها العسكرية، مما يجعل قبرص لاعبًا إقليميًا رئيسيًا في الصراع الحالي. هذه الديناميكية تؤكد على تغير التحالفات في المنطقة، حيث تعيد قبرص تعريف موقعها الاستراتيجي في الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمات. وبالتالي، فإن الدور القبرصي في المستقبل سيظل محط اهتمام المراقبين الدوليين، حيث يمكن أن تلعب قبرص دورًا أكبر في تشكيل السياسة الإقليمية والدولية.