في الثالث من مايو/أيار من كل عام، وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، يُنكأ جرح صحفيي مدينة القدس بعد أن تحولت المدينة إلى بيئة قمع وحشي للصحفيين من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ففي هذا اليوم يشعر صحفيو القدس باليُتم في ظل تجريم عملهم، ورصد مشاركاتهم وآرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ووضعها في خانة التحريض ومحاسبتهم عليها، خاصة بعد اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت اليوم العالمي لحرية الصحافة بناء على توصية من المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومنذ عام 1993 يُحتفل بهذا اليوم في الثالث من مايو/أيار كل عام.

وجاء على الموقع الإلكتروني للمنظمة الأممية أن هذا اليوم هو بمثابة تذكير للحكومات بضرورة الوفاء بالتزاماتها تجاه حرية الصحافة، وهو فرصة للوقوف إلى جانب وسائل الإعلام الملجومة والمحرومة من حقها في ممارسة حرية الصحافة، وهو يوم لإحياء ذكرى أولئك الصحفيين الذين قضوا نحبهم أثناء متابعتهم الميدانية.

قمع وملاحقة

وأشار تقرير صادر عن لجنة الحريات التابعة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى تعرض نحو 117 صحفيا للقمع والاحتجاز والملاحقة والمنع من التغطية، في الربع الأول من العام الجاري 2025، كان معظمهم في القدس وجنين، مع تعرض نحو 14 منهم لاعتداءات جسدية مثل الضرب بأعقاب البنادق والركل بالأقدام، في حين سجل التقرير 16 حالة مصادرة وتحطيم معدات للعمل.

وأشار التقرير، إلى تعرض نحو 31 صحفيا لاستنشاق الغاز السام المسيل للدموع تسبب بإصابة بعضهم بالاختناق، في الفترة ذاتها.

كما وثق التقرير زيادة ملحوظة في استدعاء صحفيين من القدس للتحقيق وإبلاغ نحو 13 منهم بالمنع من العمل والتغطية في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة بالمدينة المحتلة.

رقابة ذاتية

الجزيرة نت سألت الصحفية المقدسية (ب.م) التي تعمل بشكل حرّ (فريلانسر)، عن مدى تأثر عملها وفرض الرقابة الذاتية على نفسها لتجنب الاستدعاء أو الاعتقال، وأجابت أن صحفيي القدس رزخوا في الأسابيع الأولى من الحرب تحت وطأة الصدمة والفجع والقهر من المشاهد المرعبة التي كانت تخرج من غزة في ظل الإبادة.

وأضافت أنه رغم الأحداث غير المسبوقة التي اندلعت في القدس -والتي كان أقساها إغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين- إلا أن أحداث غزة غلبت عليها، وكان تفاعل صحفيي القدس مع ما يحدث في مدينتهم قليل.

ومع مرور الأيام وبدء اعتقال المقدسيين من أئمة مساجد ومؤثرين وموظفين وغيرهم بسبب ما يدّعون أنه تحريض، “بدأت تتشكل فكرة الرقيب الذاتي على كل مقدسي لا الصحفيين فقط، وشعرت بضرورة الانتباه لموضوع التحريض مع وجود تأنيب ضمير كبير وشعوري كصحفية بالعجز إزاء ما يحدث في غزة”.

وتؤكد هذه الصحفية أن تفعيل الرقابة الذاتية لم يكن من منطلق الخوف أو الأنانية، وإنما للحفاظ على النفس، “ولأبقى حرّة أكتب وأنشر صورة القدس وأخبارها في ظل الحرب”.

قيّدت الملاحقة التعسفية للمقدسيين من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي حرية عمل هذه الصحفية، وباتت تصنع المحتوى وتنشر التقارير التي تُعدّها من دون إرفاق اسمها، لأنها ارتأت ضرورة الاستمرار في أداء رسالتها وتحقيق الهدف الأهم مع إبعاد الضرر وأعين الاحتلال ومراقبيه عنها.

شويكي: شن المستوطنون حملة تحريض ضدي بسبب عملي الإعلامي، ودعوا إلى قتلي ونشروا صورتي ومكان بيتي (الجزيرة)

تهديد بالقتل

ليس بعيدا عن ذلك؛ قالت الصحفية المقدسية منار شويكي للجزيرة نت إنها منعت من تغطية الأحداث في كثير من مناطق القدس بعد اندلاع الحرب، بسبب حالة التهديد من ملاحقة الأجهزة الأمنية من جهة ومن اعتداءات المستوطنين من جهة أخرى.

“شعرتُ بخطر كبير في بداية الحرب، خاصة بعد حملة تحريض شنّها المستوطنون ضدي ودعوا من خلالها لاستهدافي وقتلي، ونشروا خلال دعواتهم صورتي وأرفقوا مكان سكني”.

لم يكن ذلك سهلا، لأن شويكي تعيش قرب إحدى مستوطنات القدس، وهو الأمر الذي حدّ من حركتها وأثّر بشكل مباشر على عملها، بالإضافة للضرر النفسي الذي لحقها وأفراد عائلتها.

ولم يقتصر الأمر على تحريض المستوطنين ضدها، بل تعرضت شويكي في بداية الحرب إلى تهديد المخابرات الإسرائيلية باعتقالها في حال استمرت بالعمل مع إحدى المنصات الإعلامية التي كانت تعمل معها بشكل حر.

ورغم التزامها بذلك واقتصار عملها كمراسلة ومقدمة برامج في إحدى المحطات العربية، فإن الخطر ظلّ يحدق بها في ظل انتشار السلاح بين المستوطنين بشكل عشوائي، واعتدائهم المباشر على الصحفيين في معظم مناسباتهم، خاصة تلك التي يحتفلون بها في البلدة القديمة.

وبناء على توصية المحامين اضطرت هذه الصحفية لإغلاق حساباتها كافة على منصات التواصل لمدة 3 أشهر، رغم أنها كانت تقتصر على نشر الأخبار، وبعد إعادة فتحها باتت تنشر عبرها بشكل محدود مع تجنب استخدام بعض المصطلحات التي قد تعيدها إلى دائرة الاستهداف والملاحقة.

“التغطية مستمرة رغم العراقيل”

وترى شويكي أهمية الحديث عن التغطية الصحفية التي رافقت الهدنة الأخيرة في قطاع غزة والتي تخللها الإفراج عن كثير من الأسرى، وقالت “تعرضت للاعتقال والتحقيق في سجن المسكوبية أثناء تصوير تقرير بالقرب من سجن عوفر، وهددت بإعادة الاعتقال إذا ما تم حذف المواد، كما تعرضت وزملائي للاعتداء بالضرب بالهراوات، والاستهداف بالقنابل الصوتية والغازية والرصاص المطاطي خلال استقبال المحررين في الصفقة”.

وختمت الصحفية شويكي حديثها للجزيرة نت بكلمة وجهتها للعالم أجمع في اليوم العالمي لحرية الصحافة بالقول “الصحفي هو جزء من المجتمع الذي يعيش واقعا صعبا سلبت فيه كل الحريات، لكننا كصحفيين فلسطينيين ملتزمون بنقل حقيقة ما يعيشه شعبنا، تحت شعار (التغطية مستمرة) رغم كل العراقيل والمواجهات”.

ووفق معطيات نقابة الصحفيين الفلسطينيين استشهد 210 صحفيين فلسطينيين خلال 17 شهرا من حرب الإبادة، إضافة إلى مئات الشهداء من عائلات الصحفيين، ومئات الجرحى، وتدمير مقار ومقومات العمل الصحفي بالكامل، وآلاف الانتهاكات بحق الصحفيين في الضفة الغربية، بينها استمرار اعتقال 55 صحفيا من أصل 177 تم اعتقالهم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مع استمرار إخفاء مصير صحفيين اثنين.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version