تشير صحيفة “فورين بوليسي” في تقريرها إلى التصعيد الذي شهده الصراع الإيراني الإسرائيلي، حيث استهدفت إيران إسرائيل بوابل من الصواريخ في ضربة تعتبر الثانية من نوعها. يعكس هذا التصعيد تغيراً جذرياً في معادلة القوة في المنطقة، بغض النظر عن وقوع حرب شاملة بين الطرفين. المقال الذي كتبه أراش رايزينجاد من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية يستعرض سبعة نتائج إستراتيجية تترتب على هذا الصراع، وبداية من نهاية إستراتيجية المنطقة الرمادية للإيرانيين والتي كانت تعتمد على تشكيل تحالفات غير حكومية في المنطقة، إلى تبديل الوجوه القيادية في الحرس الثوري الإيراني، مما يشير إلى توجه جديد نحو نمط من الردع المباشر.
الأمر الثاني الذي تمت الإشارة إليه هو انتهاء صبر إيران الإستراتيجي. فقد تبنت إيران لفترة طويلة سياسة امتصاص الألم وعدم الرد، إلا أن الضغوط الداخلية دفعتها إلى تجاوز هذا الموقف. تظهر هذه النقطة تحدي إيران لاستمرار الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها، حيث تمثل الضغوط الداخلية عاملاً رئيسياً في قرارها بالانتقام بشكل أقوى مما كان عليه في السابق، مما أثار تساؤلات حول كيفية تطور هذه الاستراتيجية في المستقبل.
مع الاستعراض الإيراني لقدرتها العسكرية، يبدو أن هناك نمطاً جديداً من الردع يتطور. فخلال الضربة الثانية، تمكنت إيران من تجاوز أنظمة الدفاع الإسرائيلية بشكل أفضل، مما يعكس تحسين قدراتها العسكرية. وهذا يعزز من وضع إيران كقوة عسكرية قوية في المنطقة، مما يجعلها تتحكم في معادلة الردع ضد أي اعتداءات مستقبلية، وهو ما سيدفعها لأن تكون أكثر صلابة في المفاوضات المستقبلية خاصة بشأن ملفها النووي.
على صعيد آخر، فإن وضع خطوط حمر جديدة يمثل تحولاً نصبياً في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية. القصف الإيراني للقنصلية الإيرانية في دمشق يمثل نقطة تحول من حيث ردود الفعل، إذ تجاوزت طهران الخطوط التقليدية للتصعيد. تشير هذه النقطة إلى إمكانية سعي الجانبين لإعادة رسم الحدود عبر عمليات متبادلة، ما لم توجد سياسة واضحة وثابتة للحد من التوتر.
يبرز المقال أيضاً تحولاً محتملاً في السياسة الإيرانية تجاه العالم العربي، حيث تتزايد قوة إيران الناعمة بين المجتمعات العربية بعد دعمها لحماس وغيرها من الفصائل، وهذا يعكس سعيها لتعزيز نفوذها في الشارع العربي. ومع ذلك، تواجه إيران تحديات في كيفية توظيف هذه القوة الناعمة في سياقات سياسية ملموسة وفعالة، إذ لا تزال هناك فجوات في استراتيجياتها الإقليمية.
أخيراً، تقدم الصراعات المحتملة حول البرنامج النووي الإيراني فرصة لإعادة تشكيل سياسات طهران في هذا المجال. الضغوط الإسرائيلية قد تثير النقاش حول ضرورة تطوير أسلحة نووية كوسيلة لضمان الردع. وبدلاً من انحسار إمكانية تحقيق اتفاقات سلام، قد يدفع تسريع عمليات التحول في السياسات النووية إيران نحو موقف أكثر تشدداً مما يؤدي إلى عدم استقرار مستمر في المنطقة.
بالمجمل، يعكس هذا الصراع بين إيران وإسرائيل تحولات استراتيجية عميقة من المهم مراقبتها لتقييم كيفية تأثيرها على ديناميكيات المنطقة، خاصة في ظل التنافس المستمر بين القدرات العسكرية التقليدية والحديثة.