غزة: حياة فنيّة وقصة مقاومة

في قلب غزة، تبدأ قصة الفنان حمزة أبو قينص، الذي انطلق مشواره الفني من طفولته. عندما كان في الخامسة من عمره، وقف أمام جمهور في احتفال لرياض الأطفال، واستطاع بصوته الجميل أن يلامس قلوب الناس. يعتبره الكثيرون امتدادًا لأسرة فنية، حيث تعكس والدته، أم حمزة، فخرها بموهبته معتبرةً أن هذه الوراثة تميز عائلتها بأصوات جميلة. ومع ذلك، فقدت أم حمزة ثلاثة من أبنائها ووالدهم في الحرب، مما زاد من مأساة حياتها وعكس حجم المعاناة التي تعانيها العائلات في غزة.

تواصل أم حمزة سرد تفاصيل حياتها مع ابنها الذي كان بمثابة كل شيء لها. ولدت وهي في سن الثامنة عشرة، واعتبرت حمزة رفيقها ومصدر دعمها في الأوقات الصعبة. تذكر المكالمة الأخيرة بينهما قبل استشهاده، حيث كان يتحدث مع أطفاله ثم طلب منها أن تطمئن عليه، وكان ردها "قلبي وربي يُما راضين عليك". هذه اللحظات كانت تحمل المشاعر الإنسانية العميقة التي تبرز العلاقة بين الأمهات وأبنائهن.

استجابت الجماهير بشكل كبير لرحيل حمزة، حيث اعتبروه رسولاً يحمل معاناة الشعب الفلسطيني. كان لديه القدرة على تصوير آلام الفقد والشهادة من خلال أناشيده. خرج ألبومه "القابضون على الجمر" إلى النور قبل الحرب بفترة بسيطة، لكنه لم يستطع الاحتفال بإصداره بسبب الأوضاع المتدهورة. قام بنشر أناشيده خلال الحرب، مما زاد من تفاعل الناس معها وفورتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أطلق عليه لقب "راثي الشهداء".

في الوقت نفسه، تجسد مشاعر الحزن والأسى في غزة بفنانة أخرى تدعى محاسن الخطيب، التي استشهدت في مخيم جباليا. كانت محاسن ترفض النزوح رغم الظروف الصعبة، وقد برزت صورتها من خلال رسوماتها المميزة التي تعبر عن معاناة أهل القطاع. تشير صديقتها فاطمة إلى أن محاسن كانت تحمل قدرة على الإلهام والقوة، في الوقت الذي كانت تلبي فيه احتياجات أسرتها من خلال تعليم الرسم الرقمية.

تتداخل أحلام محاسن مع أحداث الحرب، حيث كانت تتحدث كثيرًا عن مشاريعها المستقبلية وكيفية إيصال صوت غزة للعالم. وقد هدمت إسرائيل مركز التدريب الذي أنشأته مؤخرًا، لكن محاسن أظهرت إرادة قوية في تحقيق ذاتها رغم التحديات. كان جزءاً من رسالتها هو استخدام الفن كوسيلة مقاومة، برغم استهداف الاحتلال للفنانين وتدمير أعمالهم، مما يعكس الأثر القوي للفن في مواجهة القمع.

البقاء في حالة من الإبداع هو ما يسعى إليه الفنانون في غزة حتى بعد فقدان زملائهم. يعبر محمود سلمي، مدير أستوديوهات رابطة الفنانين، عن إيمانه بأن الفن هو شكل من أشكال المقاومة لا ينبغي التراجع عنه. ورغم التحديات العديدة، بما في ذلك انقطاع الكهرباء والصعوبات الإجرائية، فإن الفنانين مصممون على إعادة بناء مقارهم الفنية واستعادة أنشطتهم الإبداعية من جديد. يواصل الفنانون تقديم رسالتهم للعالم، من خلال بلورة معاناتهم وتحويلها إلى فن يستمر حتى بعد كل ما تعرضوا له.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.