“أُكنّ احتراما وتقديرا غير محدود، أقول غير محدود، لقادة حركة حماس، أكثر بكثير من الذي لديّ لقادة إسرائيل”.

في أبريل/نيسان 2025، وجد فرانسوا بورغا، الفيلسوف وعالم السياسة والاجتماع البالغ من العمر 77 عاما، نفسه في قلب دراما قضائية في جنوب فرنسا.

بورغا، المتخصص في دراسات الإسلام، ومدير الأبحاث السابق في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، أكبر منظمة أبحاث حكومية في فرنسا، وأكبر وكالة أبحاث علوم أساسية في أوروبا، كان يُحاكم بتهمة “تبرير الإرهاب” بعد أن غرّد قبل ذلك، وتحديدا في شهر يناير/كانون الثاني من العام الماضي، معبرا عن دعمه لسردية المقاومة الفلسطينية في مواجهة آلة الاحتلال الإسرائيلي.

بالنسبة للعارفين بالمفكر فرانسوا بورغا، جاءت هذه المحاكمة ذروةً لسنوات من المضايقات؛ فقد أشارت عريضة تضامنية حينها إلى أنّ التُّهم الموجَّهة إليه بتهمة “تمجيد حماس” استندت إلى تغريدات تكرّر تحليلاتٍ سبق أن نشرها في مؤلَّفاته الأكاديمية، وأضحت الجلسة رمزا لتصادم الحرية الأكاديمية مع حملة باريس على الخطاب المؤيّد لفلسطين بعد حرب الإبادة الإسرائيلية التي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر.

بلاد “الحرية والأنوار” تغيرت كثيرا. ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يعرض بورغا وغيره من المفكرين أطروحاتهم في المؤتمرات والندوات، وجد المفكر نفسه مجبرا على شرح أطروحاته أمام فرقة من الشرطة التابعة لمحافظة إيكس الفرنسية، وذلك لشرح وجهة نظره الرامية إلى إبعاد تهمة تبرير و”تمجيد الإرهاب” عن نفسه، التهمة التي تقدمت بها المنظمة اليهودية الأوروبية.

تأتي هذه التهمة بعد أن أعاد الباحث الجامعي الشهير نشر بيان لحركة حماس في 2 يناير/كانون الثاني 2024، كانت المقاومة ترد فيه على مزاعم نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” تتحدث عن مزاعم اغتصاب وعنف ارتكبتها عناصر من الحركة الإسلامية.

الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا (الجزيرة)

اعتبر البيان الذي خرج عن حماس أن هذا الكلام جزء من محاولة “صهيونية شيطانية” لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية، وطالب الصحيفة الأميركية “بالاعتذار عن هذا الخطأ المهني”، ولم يقف بورغا عند حد نشر البيان، بل أضاف جملة يعلم جيدا كل مَن يتابع الشأن الفرنسي أنها لن تمر مرور الكرام، حيث قال: “لديّ احترام وتقدير لا محدود، أقول لا محدود، لقادة حماس أكثر من قادة دولة إسرائيل”.

أكد الكاتب بعد ذلك في لقاء مع صحيفة “ليبراسيون” تصريحاته، وتمسك بأقواله، واعتبر أنه يتفهم أن هناك اختلافا في التقدير، وقد تكون آراؤه صادمة للبعض، لكنه لا يغير موقفه قيد أنملة، مضيفا: “كوني أقرّ بأن ما جرى في 7 أكتوبر هو فعل ذو طابع إرهابي لا يعني أنني مجبر على تجريم حركة تحرير فلسطين”.

وفي قاعة المحكمة، دافع بورغا عن نفسه قائلا إنّه لم يُهنئ حماس على هجوم السابع من أكتوبر، بل عبّر عن شكوك مشروعة إزاء السردية الإسرائيلية التي يصدقها الجميع.

تتسق هذه التصريحات مع فلسفة وأطروحات الباحث الفرنسي الذي لطالما دافع عن العنف القادم من البلاد الإسلامية، ولم يره نابعا من الإسلام، بل ما هو إلا ردة فعل لتاريخ استعماري عنيف ضد الدول العربية والإسلامية تَمثَّل في صفحات دامية، من بينها إنشاء دولة إسرائيل.

رحلة بورغا الطويلة إلى هذه اللحظة امتدّت لعقود وعبر قارات. وُلِد عام 1948 في شامبيري، بأقصى الشرق الفرنسي بالقرب من الحدود السويسرية وغير بعيد عن الحدود مع إيطاليا، وأمضى ما يربو على ربع عمره في العالم العربي. بعد دراسة القانون، انتقل في السبعينيات لتدريس هذا المجال في الجزائر المستقلة حديثا (1973–1980)، ثم أنجز أطروحة الدكتوراه حول الإصلاحات الزراعية الاشتراكية هناك.

لاحقا درّس في معهد العلوم السياسية في إيكس، وعمل باحثا في القاهرة (1989–1993) وصنعاء (1997–2003)، ثم تسلّم إدارة المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في دمشق ولاحقا بيروت، وافتتح فروعا في أربيل بالعراق والقدس (الشرقية) في فلسطين.

لكن قصة بورغا الطويلة تلك لم تبدأ عام 1973 حينما كان يدرس القانون بجامعة قسنطينة بالجزائر، بل كان التعارف قبل ذلك بكثير، حينما كان يبلغ من العمر 16 عاما، حينها كان يرافق خالته إلى رحلة حج مجموعة من المسيحيين الفرنسيين إلى القدس. في تلك الرحلة، التقى المراهق الفرنسي بطفل فلسطيني بمدينة أريحا قال له إن اليهود أخذوا أرضه منه، فكانت المعلومة جديدة وصادمة، لم يكن يعرف أن للفلسطينيين أرضا سلبها اليهود منهم.

ظل هذا المعطى حاضرا في ذاكرة بورغا، واستعمله غير ما مرة في تحليله للقضايا العربية والإسلامية، ولدراسة الحركات الإسلامية.

أسلمة ركيكة

في فرنسا إمام مشهور لا يخلو برنامج حواري من طلعاته الإعلامية المضحكة، ووصف “مضحكة” هنا ليس ذمًّا، بل وصف موضوعي لما يحدث أثناء مشاركته في هذه البرامج. هذا الرجل هو “حسن الشلغومي”، أحد “الأئمة المشاهير” حسب وصف الجهات الرسمية والإعلامية الفرنسية.

لا يجيد الشلغومي الحديث بالفرنسية، ولا يتقن العربية أيضا، كما أنه يعاني مشكلات عديدة في الحديث بطريقة متماسكة، ما يجعله مثار سخرية الكثيرين، لكنه على زلّاته، يحافظ على مكانه إماما أشهر، تفرضه فرنسا على مسلميها كأنه هو الناطق باسمهم، هو العلماني تماما، والصديق الحميم لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي زارها غير ما مرة، ودعمها في لحظات محورية كانت تصب نيرانها فيها على غزة.

يرفض بورغا ما يسميه بـ”شلغمة المسلمين”، والحديث نيابة عنهم في القضايا التي تهمهم، وهو ما يتعارض تماما مع سياسة الدولة الفرنسية التي لا تتوقف عن محاولاتها لفرض السيطرة على الإسلام في البلاد، وفرض فهمها العلماني على هذا الدين الذي لا يتلاءم  مع النظرة اللائكية الفرنسية التي رمت بالكنيسة وراء جدران الحياة العامة ذات يوم بعد ثورتها الشهيرة.

كما أن اختيار نماذج من قبيل الشلغومي بوصفه “نموذجا” يعني أن المسلم الحقيقي في فرنسا هو الذي يقدس الدولة الفرنسية بمستوى تقديسه للإله الذي يعبده، ويحب إسرائيل، ويرفض جميع الأمور التي تعتبرها الحكومة “تطرفا” وإن كانت من صلب الإسلام، ويتدين بطريقة ليس فيها حضور كبير للدين في سَمْته ومعاملاته.

يُبدي بورغا اهتماما كبيرا بفهم الظاهرة الإسلامية، سواء داخل فرنسا أو خارجها، وخصوصا في المجتمعات العربية والمسلمة التي لا تنظر للحياة ولا تطرح الأسئلة الكبرى عبر الفلسفة الغربية. ويميز المفكر الفرنسي في فهم الظاهرة الإسلامية بين عمليتين، الأولى تهدف إلى تفسير أسباب عودة الخطاب الإسلامي في العالم العربي، وأما الثانية فهي تُذكّر بالتنوع الشديد للأفعال التي يُمكن أن ينتجها هذا الخطاب.

يطرح الكاتب الفرنسي نماذج تؤكد أفكاره، فمثلا يمكننا أن نقرأ التجارب الإسلامية بطريقة مختلفة تصل أحيانا إلى حد التنافر، فنجد مثلا الإسلام السياسي الديمقراطي الذي يعتقده جزء من الإسلاميين من قبيل حركة النهضة في تونس وفي دول أخرى، ثم نجد الإسلام الجهادي المعادي للكثير من الإسلاميين أنفسهم، مثل نموذج “دولة الخلافة” بالطريقة التي تطرحها بعض الجماعات الغالية كتنظيم الدولة لزعيمه وقتها أبي بكر البغدادي.

كذلك يقدم المفكر الفرنسي فكرة غاية في الأهمية من خلال دراسته لفكرة الإسلامية، إذ يقول إن القدرات التعبوية للخطاب الإسلامي المستعاد لا تنبع من قدسيته فقط، بل كذلك من الطابع المحلي الأصيل له، حيث يعمل على إعادة إحياء ثقافة حُرم منها العالم العربي عنوة بسبب التجريف الثقافي الذي قام به الاستعمار، حيث أدركت المجتمعات العربية والإسلامية المقهورة تدريجيا أن رموزها وأُطرها الزمنية هُمِّشت بالكامل وفُرِض تجريدها منها، حتى تصبح مجتمعا مختلفا عن تاريخه وحضارته.

يختلف بورغا مع الصوت الغربي السائد، الذي يتبناه العديد من المفكرين، ورأيه أن التطرف السياسي هو السبب في التطرف الديني، وأن العنف الإسلامي لا يصدر عن الإسلام بحد ذاته، بل بسبب المظالم التي يتعرض لها المسلمون.

وبالتالي فإن الدعوات المكررة لإصلاح الإسلام ما هي إلا دعوات عبثية، حيث يقول: “إذا اعتقدنا أن تهدئة الأوضاع تمر عبر إصلاح الفكر الديني المتطرف، فنحن نسلك الطريق الخطأ، لأننا لن نُهدئ المنطقة عبر إصلاح الخطاب الديني، بل نُصلح الخطاب الديني بعد تهدئة المنطقة”.

يذهب الأكاديمي الفرنسي إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يعتبر أن “الإسلاموية” (حسب التعريف الغربي) ليست انحرافا دينيا، بل هي المرحلة الثالثة في مسار التحرر من الاستعمار، كما أنها النتاج لعملية إعادة رسم العلاقة بين الجنوب المقهور والشمال القاهر، وبالتالي -وهنا النقطة المحورية التي ربما لا يطرحها الكثير من الأكاديميين الغربيين ويستأثر بها بورغا على الأقل تصريحا- يجب على الغرب أن يعترف بمسؤوليته أيضا عن جميع الأفعال العنيفة التي تُرتكب باسم الإسلام، ليس هو فقط، بل أيضا النخب المسلمة التي تتبنى أطر التفكير الغربية، في صناعة الإرهاب الذي يُصيبهم اليوم، والخروج من “الانغلاق المعرفي” الذي تفاقم منذ هجمات “شارلي إيبدو”.

ومن المعروف أنه في العقد الأخير، عرفت أوروبا وفرنسا خصوصا مجموعة من الهجمات التي أسالت الكثير من الدم، مما قاد إلى مُناصبة غالبية كبيرة  من النخب الأوربية العداء والهجوم على الإسلام السياسي، أو حتى الإسلام غير السياسي، أي بوصفه إسلاما فقط.

وقد انبرى المثقفون والسياسيون والإعلاميون في البرامج السياسية لسلخ جلد المسلمين والنقاش حول إنهاء الإسلام بصورته الحالية، أو محاولة نزع جميع مكوناته الهوياتية والعقدية وإفراغه تماما من مضمونه.

في مقال له على موقع “أورينت 21″، تحدث بورغا عن علاقة هذه التفجيرات التي جرت بالتحليل الخاطئ الذي تبنّاه بعض المنظرين الفرنسيين، إذ اعتبر الكاتب أنه حدث ازدراء لعامل ردة الفعل، وكذلك عامل الهوية لدى فاعلي الإسلام السياسي.

سخر المقال من القراءة القاصرة “لأوليفييه روا” الذي اعتبر أن الربيع العربي جاء لينهي أي وجود إسلامي، وأنه ما من شيء يشير إلى بقاء الصبغة الدينية في كل شيء، وذلك لأن الجيل “ما بعد الإسلامي” كان بأكمله غريبا عن الثورات الربيعية، متنبئا بفشل انتخابي للحركات الإسلامية “لماذا سينتخِبُ الناسُ مرشَّحين لم يكن لهم وجود إبّان الثورة؟”، وذلك لقناعة منه بأن الشباب الإسلامي لم يسهم أبدا بالمظاهرات التي انتشرت في الميادين.

يجيب فرانسوا بورغا عن هذا الطرح قائلا: “أتَتْ نتائج انتخابات مصر وتونس لتنسِف ذلك الإعلان المتهوِّر… ولكن أين هي نقطة الضعف التحليلي اليوم؟ إن أوليفييه روا لا يرى في “جيل القاعدة” برمَّتِه، على تعدُّد جنسيّات الجهاديّين، وليس فقط في موجة المُجنَّدين الفرنسيّين الأخيرة، تعبيرا عن غضب المسلمين تجاه الاعتداءات الغربية”، وفي هذا الطرح الجريء يحاول بورغا أن يطرح رؤية مركبة لا تلقي فقط بالمسؤولية على طرف دون آخر، فبجانب إدانة الممارسات الإسلامية العنيفة، هناك أطراف أخرى، عليها كذلك أن تتوقف عن القهر الثقافي والسياسي لحضارات وثقافات أخرى.

يذهب المقال في تحليل الهجمات التي عرفتها فرنسا على ضوء الصراعات الدولية، فيقول إن من الصعب وضع الأخوين كواشي (اللذين ارتكبا هجمات شارلي إيبدو) خارج إطار وجهة نظر سياسية متماسكة لدوافعهما، وخارج إطار خانة الشُّبّان التائهين البعيدين عن أي نهج سياسي، الشيء نفسه بالنسبة لكوليبالي (مرتكب الهجوم على المتجر اليهودي) الذي لا يمكن قراءة ما أقدم عليه بأنه مجرد فرد غاضب لا يهتم بالصراعات التي يشهدها العالم العربي والإسلامي، وخصوصا فلسطين.

إسرائيل المقدسة فرنسيا

قد لا يسعفنا الوقت ولا المساحة الكتابية لسرد الشخصيات المهمة، سواء فنية أو أدبية أو رياضية أو غيرها، ممن كان انتقادهم لدولة الاحتلال قد عرّضهم لسلسلة من الانتهاكات والتضييقات.

فبعد حكم الجنائية الدولية على نتنياهو لكونه مع وزير دفاعه السابق يشكلان فريقا حكوميا من مجرمي الحرب، انبرى العديد من المحللين السياسيين في فرنسا للدفاع عن نتنياهو أو على الأقل اعتباره مجرم حرب، بيد أنه لا يمكن بحال مقارنته بقيادات حماس لأنه يظل “رئيس حكومة منتخب ديمقراطيا”.

تكاد تكون إسرائيل من المقدسات في الرأي الرسمي الغربي، وكذلك الحال في فرنسا، لذلك فإن انتقادها يُعد جريمة خطيرة يحاكمك عليها السياسيون والإعلاميون قبل القضاة.

منذ فترة طويلة لم تعد تهمة معاداة السامية تُستخدم على الساحة الفكرية الفرنسية لإدانة كارهي “اليهود” الحقيقيين، بل أضحت تهمة تُستعمل لإدانة العديد من الباحثين والمثقفين الذين ينتقدون السياسة الغربية في العالم الإسلامي أو ينددون بالإستراتيجية الإسرائيلية في سحق الفلسطينيين.

يقول بورغا إن “مكافحة معاداة السامية”، التي يجب أن تظل أداة مشروعة تماما ولا غنى عنها، تُحوَّل بانتظام عن وظيفتها لصالح مصالح الشركات أو المصالح الطائفية، ويضرب المفكر الفرنسي مثالا على ذلك بجريمة قتل وقعت في 23 مارس/آذار 2018 في حق سيدة يهودية مسنّة تدعى “ميرال نول”، التي كان أحد مرتكبيها من أصول مسلمة.

أدت هذه الجريمة إلى فورة هذيان وانفجار طائفي وديني وصل إلى درجة وصف “روبرت بادينتر”، وزير العدل الفرنسي السابق، لهذه الجريمة بأنها “محرقة داخل شقة”. لكن بعد أيام قليلة من تحريات الشرطة ظهرت الحقيقة، وهي أن الجريمة بعيدة كل البعد عن جرائم الكراهية، بل هي جريمة عادية تدخل ضمن نطاق الجرائم الاعتيادية التي تشهدها فرنسا.

غرد بورغا بعد هذه الواقعة ساخرا من تسرع شخصية سياسية على هذا النحو، وكذلك من أخذ بعض المنابر الإعلامية بما في ذلك “لوموند”، كلام المسؤول الفرنسي على محمل الجد، معتبرا ذلك كله سخرية بائسة من مقتل سيدة يهودية على هذا النحو الجنائي المروع.

لبورغا تاريخ عريض مع الاتهام بمعاداة السامية، فقبل واقعة جريمة قتل المرأة اليهودية في العام 2018 اتُّهِم بالتهمة نفسها كذلك عام 2014، لأنه طالب بفصل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا عن الدولة، وباستقلال القنوات التلفزيونية الفرنسية عن تأثير إسرائيل، لذا يعتبره الإعلام الفرنسي مقربا من الإخوان المسلمين، حيث واجه عام 2020 هجوما إعلاميا كبيرا بسبب مساندته للمفكر السويسري طارق رمضان أثناء محاكمته بتهم الاغتصاب في فرنسا وسويسرا، التي ينفيها رمضان ويصفها بأنها مكيدة مُدبّرة.

بسبب دعم طارق رمضان، شنّت المنابر الإعلامية اليمينية هجوما كبيرا على بورغا، حيث اعتبرت صحيفة “ماريان” الأسبوعية، الصوت المتطرف الأبرز في الصحافة الفرنسية، أن دفاعه عن رمضان تشكيك في العدالة الفرنسية واتهام في الذمة القانونية للقضاة، كما رُبط اسمه بعد ذلك بكونه مدافعا عن الإسلاميين والإخوان المسلمين.

بعد السابع من أكتوبر، غرد فرانسوا بورغا خارج السرب تماما، صحيح أنه اعتبر الهجمات التي قامت بها حماس هجمات “إرهابية”، لكنه لم يهادن الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو بعد جرائم الحرب الكثيرة التي قامت بها. يقول بورغا إنه عندما سيحاول مؤرخو القرن الحادي والعشرين فهم الكيفية والتسلسل الزمني لاختفاء إسرائيل من خارطة الشرق الأدنى، فإنهم سيمنحون دون شك أولوية كبرى لدوامة العنف الشديد التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويضيف أن تحديد المسؤوليات البشرية لن يتم إلا عبر وضع الجيل الحالي للقادة الإسرائيليين بزعامة نتنياهو مع القادة الغربيين من بايدن إلى ماكرون في مستوى المسؤولية نفسه، ذلك لأن الغرب لم يستطع امتلاك الشجاعة أو الحكمة أو العقلانية لردع شريكه عن الانجراف في التطرف الذي يدمر الحلم الصهيوني، وغرد على “إكس” قائلا: “على فرنسا، والولايات المتحدة، وأوروبا أن تتوقف عن استخدام الشعارات الإنسانية بوصفها غطاء أخلاقيا لتبرير صمتها عن المجازر الجارية”.

يواصل بورغا اليوم التغريد وإلقاء المحاضرات، بسترته الرمادية وابتسامته الواثقة، ملهما جيلا جديدا من المفكرين المشتبكين مع الواقع والناشطين الباحثين فيما وراء الأحداث، ويفعل كل ذلك بينما يُثير جنون المتطرفين، إذ يرى بورغا أن الإرهابيين هم ثمرة فشل أوروبا.

بسبب كل هذه الأفكار، انتهى فرانسوا بورغا إلى مخافر الأمن للتعبير عن قناعاته التي كان يعبر عنها في المنابر الأكاديمية عبر التحقيقات والاستجوابات التي لا تتوقف، في فرنسا بلد الأنوار والفلسفة واحترام حقوق الإنسان لم تعد كذلك، بل باتت بلد الصوت الوحيد، صوت يميل إلى اليمين، ويغرم بإسرائيل، وجزء من كل ذلك يعادي الثقافة الإسلامية دون مواربة، وأما إذا ما أراد شخص آخر أن يعبر عن صوت آخر، فسيكون من المحتم عليه ترك “بلاد الحرية”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.