منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أثارت عملية “طوفان الأقصى” العديد من التساؤلات حول مبرراتها ومدى عقلانيتها ونتائجها السياسية. يأتي ذلك في ظل الظروف المتدهورة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تواصل قوات الاحتلال ارتكاب جرائمها، ويتعرض الشعب الفلسطيني لأزمات متزايدة. وقد كانت الأسئلة أكثر إلحاحًا بالنظر إلى ما تتمتع به حركة حماس من إرادة وطنية لمقاومة الاحتلال، فضلاً عن انقسامات فلسطينية داخلية، والمخاطر الكامنة وراء التحركات الحالية. تبدو الخيارات المتاحة أمام حماس متعددة ومعقدة، مما يستدعي استكشاف منطق اتخاذ القرار في الحركة.
أسست حركة حماس كجزء من حركة المقاومة الفلسطينية، ورفضت باستمرار مسار التسوية السياسية المبني على اتفاقية أوسلو، مُعتبرةً ذلك اعترافًا بشرعية الاحتلال. رغم تمتعها بتأييد شعبي كبير، واجهت حماس تحديات عدة، بما في ذلك الحصار المفروض على غزة والضغوط النابعة من الانقسام الداخلي. من خلال استراتيجياتها المناهضة للاحتلال، كانت الحركة تحاول استخدام نظام الحكم في غزة لتعزيز قدراتها العسكرية والمدنية، لكن استمرار الضغوط الإسرائيلية والاحتلال غير المتوقف على الأراضي الفلسطينية ألقت بظلالها على أي مكاسب تحققت.
لم ينجم عن محاولات حماس للإبقاء على حالة من المقاومة الشعبية أي تغيير أساسي، كما أن مساعي المصالحة مع حركة فتح لم تؤتي ثمارها. أصبحت حماس تواجه ضرورة اتخاذ قرارات صعبة، بين الاستمرار في العمل المقاوم أو القبول بواقع جديد يفرضه الاحتلال. وكان من ضمن مبررات استمرار المقاومة هو إدراك الحركة أن أي تسوية لا تتضمن رفع الحصار أو الاعتراف بحقوق الفلسطينيين لن تؤدي إلى تغيير حقيقي، بل ستحقق أهداف الاحتلال فحسب. لذلك، كان “طوفان الأقصى” خيارًا جريئًا ولا بد منه بالنسبة لحماس.
حمل قرار عملية “طوفان الأقصى” في طياته نظرة متشائمة لموازين القوى، إذ جاء في وقت كان الاحتلال يتفوق عسكريًا. لكن حماس اعتمدت على الأسس الفكرية التي تدعو إلى التصدي للاحتلال، بغض النظر عن الاختلال في القوى العسكرية. وفقًا للرؤى النظرية المتعلقة بالتحرر، ليس هناك شرط لتوازن مادي، بل تركز الجهود على تعزيز القوة المعنوية لمواجهة الاحتلال والضغط عليه على المدى الطويل. ويشير مبدأ المقاومة إلى حق الدفاع عن النفس في مواجهة العدوان، وهي الفكرة التي تحرك حماس في تحديد أولوياتها.
يسلِّط التحليل الضوء على تفاعل حماس مع الوضع الإقليمي، إذ إن قرار “طوفان الأقصى” جاء بعد أجواء من الحراك الشعبي والتظاهرات التي ساهمت في إبطاء خطط الاحتلال للسيطرة على القدس. كما كان هناك مؤشر إيجابي إلى إمكانية تضافر قوى المقاومة، بما في ذلك حزب الله الذي كان يسعى إلى استغلال الفوضى المترتبة على الوضع. ومع ذلك، فإن حجم العملية وجرأتها فاجأت العديد، بما في ذلك حزب الله، مما عجَّل بحثه عن طرق للحد من تداعيات الصراع.
في إطار الفعل الشعبي والسياسي، نجد أن الاحتلال قام بتعزيز قابلية تأثر الجمهور العربي بالفكر المضاد للمقاومة، مستخدمًا بذلك وسائل عديدة منها تكتيكات قانونية وقمعية. وهذا أدى إلى تراجع وتيرة الفعل الشعبي الداعم للمقاومة. بالرغم من ذلك، تظل عملية “طوفان الأقصى” تعبيرًا عن تمرد ضد مساعي الاحتلال لفرض سياسة التطبيع وإضعاف الوجود الفلسطيني. وعلى الرغم من أن العملية نجحت في تحقيق مكاسب فلسطينية، فإن الكلفة على أهل القطاع كانت باهظة، مما زاد من تعقيد الأوضاع.
بالنظر إلى تأثير مختلف هذه العوامل، يبدو أن المقاومة هي الطريق الحتمي لرفع كلفة الاحتلال، بغض النظر عن السيناريوهات المستقبلية أو العواقب المحتملة. يظل السؤال مفتوحًا حول كيفية توظيف تلك الطاقات نحو إنهاء الاحتلال، مستندين إلى دروس الماضي وتأكيد على أن الألم يشكل جزءًا من أي عملية تحرر فعالة. وفي هذا السياق، يبدو أن “طوفان الأقصى” لم يكن مجرد رد فعل متسرع، بل خيارًا استراتيجيًا لخلق واقع جديد في معادلة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.