أوجلان يصافح مقاتلات من حزب العمال الكردستاني في أحد المعسكرات (غيتي)

رحلة أوجلان الأخيرة

يذكر خدام في مذكراته أنه عندما انتهت المقابلة “ودّعته وكانت الدمعة في عينيه”، مضيفا أنه “في الوقت نفسه كان الألم يعتصر نفسي لأنه ليس من السهل أن تقول لإنسان اخرج إلى الموت، وأنا واثق أن هذا اللقاء سيكون الأخير معه”.

كان أوجلان من هؤلاء “الثوريين” أو “الإرهابيين”، الذين انتهى زمنهم بانهيار الاتحاد السوفياتي وما تلاه من متغيرات دولية، تماما مثل كارلوس (إليتش راميريز سانشيز) الذي قبضت عليه المخابرات الفرنسية في الخرطوم في 14 أغسطس/آب 1994، وكانت سوريا أيضا قد احتضنته أيضا لفترة قبل أن تطرده.

عندما كان أوجلان- الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وعدة دول أخرى إرهابيا- يغادر سوريا إلى اليونان يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 1998، ثم باحثا عن ملجأ آخر آمن بين روسيا وبيلاروسيا وإيطاليا ثم اليونان، كانت الوساطات والانحناء السوري للعاصفة قد نزعتا تدريجيا فتيل الحرب على الحدود السورية.

وبعد رحلة قادته إلى عدة عواصم أوروبية، وصل “آبو” -وتعني العم باللغة الكردية- إلى أثينا في 29 يناير/كانون الثاني 1999 قادما من إيطاليا التي لم تتحمل وجوده، وأمضى عطلة نهاية الأسبوع في “بيت آمن” وفره له اليونانيون، ليسافر بعدها إلى العاصمة البيلاروسية مينسك بحثا عن ملاذ آمن جديد، لم يحصل عليه هناك أيضا.

كان عليه أن يعود مرة أخرى إلى اليونان في الثاني من فبراير/شباط، حين أدركت الحكومة الاشتراكية اليونانية أنه لم يعد بمقدورها تحمل أعباء الضغوط التركية والأميركية والإسرائيلية أيضا، فنقلته إلى مقر مجمّع السفارة اليونانية في العاصمة الكينية نيروبي بانتظار أن تقنع دولة أفريقية مثل جنوب أفريقيا باستقباله.

وفي 15 فبراير/شباط 1999، كانت المخابرات التركية سبّاقة لاعتقال أوجلان من نظريتيها الأميركية والإسرائيلية، عندما كان في الطريق إلى مطار نيروبي نحو وجهة خارجية يرجح أنها أمستردام، وتم نقله إلى تركيا حيث قضت عليه محكمة بالإعدام، ليخُفّض الحكم لاحقا إلى السجن مدى الحياة يقضيه وحيدا في سجن إمرالي جنوبي بحر مرمرة.

كان اعتقال أوجلان إنجازا أمنيا وسياسيا كبيرا للحكومة التركية، لكنه هز بالمقابل  حكومة يسار الوسط اليونانية، إذ استقال وزير الخارجية اليوناني ثيودوروس بانغالوس وسط اتهامات بأنه تواطأ في القبض على أوجلان، كما استقال أيضا وزير الداخلية ومسؤولون آخرون.

خلال نحو 26 سنة قضاها أوجلان في السجن، جرت مياه كثيرة تحت الجسور في سوريا وتركيا والعالم، سقط النظام في سوريا، وقام أوجلان الذي شب ماركسيا لينينيا بمراجعات تخلى بموجبها الحزب عن الأجندة الانفصالية أدت إلى هدنات هشة ومفاوضات سلام متعثرة.

ويشير محللون إلى وجود احتمال كبير لانتهاء الصراع  الدامي الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص في تركيا على مدى 4 عقود من الزمن، حين دعا أوجلان أنصاره في 27 فبراير/شباط لحل حزب العمال وإلقاء السلاح، وهو ما رآه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “فرصة تاريخية”.

وتبدو هذه الدعوة وفق المحللين أكثر جدية من تلك التي حصلت يين أعوام 2009 و2015، حيث من الممكن أيضا أن يؤدي نزع سلاح حزب العمال الكردستاني إلى تحولات مهمة في أماكن أخرى في المنطقة، حيث الوجود الكردي نظرا للنفوذ الذي يتمتع به أوجلان.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version