على طول الساحل الجنوبي اللبناني، يمتد الشاطئ من قلعة صيدا البحرية إلى سوق السمك الشعبي “الميرة”، حيث يعم الصمت بشكل غير معتاد، بعدما كانت هذه المنطقة تعج بالحركة والازدحام. لقد فرضت إسرائيل حصارا بحريا مشددا على المرافئ التجارية وصيد الأسماك، مما أثر بشكل كبير على الحياة الاقتصادية في المنطقة. وجاء هذا الحصار بعد تحذيرات الجيش الإسرائيلي للسكان بالابتعاد عن الساحل، مما جعل الحركة البحرية معتادة شبيهة بحالة شلل عام يطول على مدى 60 كيلومترا من نهر الأولي حتى الناقورة.
سوق السمك في صيدا، الذي كان يعكس الحياة النابضة في المدينة، أصبح شبه خالٍ من حركة البيع والشراء. وفقاً لأقوال محمد بيضاوي، عضو نقابة صيادي الأسماك في صيدا، تم تلقي البلاغات الرسمية بشأن منع السباحة وأي نشاط بحري من قبل قوات “اليونيفيل” والجيش اللبناني، مما أجبر الصيادين على وقف عملياتهم بشكل كامل. وكان من المعتاد أن تُباع كميات وفيرة من الأسماك تتراوح بين ألف وألفي كيلوغرام يومياً، لكن اليوم لم يتجاوز المعروض 500 كيلوغرام، مما يهدد بتعطيل السوق بشكل نهائي في حال استمر الحظر.
تشير المعلومات إلى أن الصيادين يواجهون صعوبة كبيرة في تأمين لقمة عيشهم، حيث يعتمدون على العمل اليومي، مما يعني أن أي توقف في الصيد سيؤدي إلى فقدان مصدر رزقهم. هناك حوالي 275 مركب صيد وقرابة 400 بحار في المنطقة، مما يعني أن حوالي 6000 شخص من عائلات الصيادين يتأثرون بشكل مباشر بهذا الحصار. عبر الصيادون عن مخاوفهم المتزايدة من طول مدة الحصار وتأثيراته السلبية على حياتهم، حيث تعاني الأسر من نقص في المدخول والخدمات الأساسية.
في الجانب الآخر، تزداد الأعباء المالية الواقعة على كاهل الصيادين، فمع تراجع العمل، تزداد الالتزامات المالية مثل إيجارات المنازل ومتطلبات العيش اليومية. عبر محمد سكافي، بائع السمك، عن ألمه من الوضع الحالي، الذي يُعتبر كابوساً متكرراً بالنسبة لهم، فالخيارات تضيق مع كل يوم يمر، حيث يواجه البائعون والصيادون تحديات متسارعة تهدد حياتهم وحياة عائلاتهم. لكن الأمل في تحسين الأحوال الاقتصادية ما زال يغذي تلك الأرواح المجروحة.
في ظل هذه الظروف، يسعى الصيادون، بالتعاون مع الأمم المتحدة والدولة اللبنانية، إلى الحصول على الدعم اللازم للبقاء على قيد الحياة وتلبية احتياجاتهم اليومية رغم الأوضاع الصعبة. وأكد العديد من الصيادين أنهم ملتزمون بتعليمات الجيش اللبناني التي تمنع الصيد، ولكنهم يتطلعون إلى تجدّد النشاط في أقرب وقت ممكن، مشددين على ضرورة معالجة مثل هذه الأزمات بشكل سريع وفعال، خاصة في وقت يُحتاج فيه إلى تعزيز الأمن الغذائي في البلاد.
بذلك، نجد أن الوضع في صيدا يمثل جزءاً من صورة أكبر تعكس التحديات التي يواجهها لبنان بالتوازي مع الصراعات الإقليمية والحصار البحري المفروض. تحتاج عائلات الصيادين اليوم إلى تأمين احتياجاتهم الأساسية، يأملون في غدٍ أفضل يحل فيه الحصار، وتعود الحياة إلى طبيعتها في هذا السوق الذي كان يعكس تراثهم وبساطتهم، بعدما تحول إلى مساحة للألم والقلق.