القدس المحتلة – كشفت الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على إسرائيل هشاشة الجبهة الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالجهوزية لمواجهة تهديدات من هذا النوع، فالخسائر التي لحقت بالممتلكات والبنية التحتية، وسقوط القتلى، أظهرت الفجوة في منظومة الحماية المدنية، وعمَّقت الشعور بانعدام الأمان لدى فئات واسعة من السكان، خاصة في البلدات العربية والمناطق المهمشة.

وفي حين يُطلب من السكان عند وقوع أي هجوم صاروخي التوجه إلى ملاجئ عامة أو غرف محصَّنة، تظهر الصورة على الأرض واقعا مغايرا، حيث إن عددا كبيرا من المباني في مختلف أنحاء البلاد، خاصة تلك التي بُنيت قبل فرض معايير الحماية عام 1992، لا تحتوي على أي تجهيزات أمان، ولا تتوفر فيها ملاجئ أو غرف محصنة.

وحتى في المدن الكبرى مثل تل أبيب، كشفت بيانات قيادة الجبهة الداخلية أن نحو 40% من سكان المدينة يفتقرون لأي وسيلة حماية قياسية.

ووفقا لتقديرات قسم الأبحاث في الكنيست الإسرائيلي، يوجد في إسرائيل حوالي 12 ألف ملجأ عاما، لكن أكثر من نصفها غير جاهزة فعليا للاستخدام عند الطوارئ.

فاجعة طمرة

وهناك نحو 700 ألف غرفة محصنة في الوحدات السكنية الحديثة، إلى جانب 20 ألف ملجأ مشترك يخدم حوالي 481 ألف وحدة سكنية، إلا أن هذه الأرقام لا تغطي فعليا حاجات السكان حال اندلاع حرب شاملة أو تعرض البلاد لهجمات دقيقة وعالية التدمير، كما حصل خلال الهجمات الصاروخية الإيرانية.

وبرزت بشكل خاص معاناة المجتمع العربي داخل الخط الأخضر، الذي يضم نحو مليونَي مواطن من فلسطيني 48، لا توجد ملاجئ عامة في أي بلدة عربية تقريبا، ما يجعل السكان في مواجهة مباشرة مع الخطر دون الحد الأدنى من وسائل الوقاية.

وكانت مدينة طمرة شمالا، إحدى أبرز المحطات التي عكست هذا الخلل والتمييز، فقد أصيبت بصاروخ إيراني دقيق، أدى إلى استشهاد أم وثلاث من بناتها، وإصابة العشرات، وتضرر أكثر من 200 منزل، إضافة لمسجد.

وزار رئيس لجنة المتابعة العليا محمد بركة، ورئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية مازن غنايم المدينة والعائلة لتأكيد التضامن، وللمطالبة بتحمّل الحكومة الإسرائيلية مسؤولياتها، خاصة في ما يتعلق بتوفير الحماية والبنية التحتية للطوارئ في البلدات العربية.

أكثر من نصف المنازل بالبلدات العربية من دون ملاجئ ويظهر تعرض منزل عربي لصواريخ إيرانية (الهيئة العربية للطوارئ)

وفي بيان مشترك وصل الجزيرة نت، قالت “الهيئة العربية للطوارئ” إن ما كانت تنبّه له منذ سنوات قد وقع الآن بشكل مدوٍّ، حيث كشف الهجوم الصاروخي على طمرة مستوى تهديد غير مسبوق، سواء في دقته أو قوته التدميرية، ما يجعل غياب الملاجئ بمثابة خطر وجودي على سكان البلدات العربية.

ونبَّهت الهيئة إلى أن البقاء في الغرف الآمنة، حتى لو كانت غير مجهزة، قد يكون الفارق بين الحياة والموت.

وحمَّل بركة -حسب البيان- الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة، معتبرا أن الإهمال في توفير وسائل الحماية هو جزء من سياسة تمييز ممنهجة، تسير بالتوازي مع تصعيد عسكري خطير تدفع ثمنه الشعوب.

أما غنايم، فانتقد مباشرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب ل بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- قائلا “إذا كان هذا هو الشرق الأوسط الجديد، فنحن لا نريده”، داعيا لاتخاذ خطوات فورية لحماية المواطنين في القرى والمدن العربية.

بلا ملاجئ

وفي مدينة باقة الغربية تعكس الأزمة نفسها، إذ يعيش سكان المدينة المقدر عددهم بنحو 33 ألف نسمة، في أكثر من 10 آلاف شقة سكنية، أكثر من نصفها يفتقر لغرف محصنة.

ويقول نائب رئيس بلدية باقة الغربية محمد رشدي إن الحكومة الإسرائيلية رفضت مرارا طلبات قدمتها البلدية لتخصيص ميزانيات لبناء 5 ملاجئ عامة و10 مناطق محصنة في أحياء مختلفة من المدينة، بحجة أنها كسائر البلدات العربية لا تقع ضمن خط المواجهة المباشر.

ويضيف للجزيرة نت أن باقة تعيش حالة طوارئ منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع ذلك لم تخصص لها أي موارد لحماية السكان.

كما أن هجمات إيران الأخيرة -حسب رشدي- أكدت أن جميع المناطق أصبحت عرضة للخطر، وليس فقط ما يُصنف كمناطق حدودية، ما يفضح زيف مبررات الحكومة الإسرائيلية.

ورغم نقص الميزانيات، لجأت بلدية باقة إلى تجهيز بعض الملاجئ في المدارس والمؤسسات العامة، لتوفير حد أدنى من الحماية حال تكرار الهجمات.

القرى مسلوبة الاعتراف في النقب، بلا ملاجئ وبدون مساحات أمنة أو مناطق محصنة.
القرى مسلوبة الاعتراف في النقب بلا ملاجئ ومن دون مساحات آمنة أو مناطق محصنة (الجزيرة)

خنادق قاتلة

أما في النقب جنوب البلاد، فالصورة أكثر قسوة، وفقا لما سرده بعض السكان للجزيرة نت، إذ يعيش عشرات الآلاف من الفلسطينيين في قرى غير معترف بها، لا تشملها أي خدمات بنية تحتية، ولا توجد بها مدارس مجهزة أو ملاجئ أو حتى طرق معبدة.

وعند وقوع الهجمات الأخيرة، احتمى السكان داخل سيارات، أو في حاويات مدفونة، أو تحت الجسور، في حين فتحت مدارس مدينة رهط أبوابها لاستقبال من فقدوا منازلهم.

وتقول عضو مجلس القرى غير المعترف بها من قرية بير المشاش ليلى فريحات إن التوتر كان شديدا، والعائلات غادرت منازلها نحو العراء خوفا من صواريخ قد تسقط مباشرة على مساكنهم الهشة.

ووصف إبراهيم الغريبي من قرية السر، التي هُدمت بعض منازلها مؤخرا، المشهد بكلمات موجعة قائلا “الوضع صعب جدا، والأطفال يصرخون، والنساء في الخارج، لا مأوى، ولا أمان، والخوف يسيطر على الجميع”.

وكتب محمد أبو قويدر من قرية الزرنوق منشورا على شبكات التواصل يقول فيه “هُدمت منازلنا أمس، واليوم الصواريخ فوق رؤوسنا، ولا نعلم ما يخبّئه الغد من هدم ودمار جديد”.

وتحدثت منسقة المجتمعات الآمنة في النقب فيروز العتايقة عن ليلة قاسية قضتها في المدرسة بعد سماع صافرات الإنذار، بسبب غياب مكان آمن في منزلها.

وقالت إن العائلات تزاحمت داخل سيارات قليلة بعد أن فرَّت من منازلها، ورغم عودتهم صباح اليوم التالي، فإن القلق لم يغادر وجوه السكان، خاصة الأطفال الذين لا يدركون طبيعة التهديد.

كما أشارت فيروز للجوء بعض الأهالي إلى حفر خنادق لحماية أنفسهم، لكنها أوضحت أن هذه الطريقة بدائية وخطيرة، وقد تؤدي إلى كارثة إذا سقط صاروخ بالقرب منها.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.