تتجلى مآسي الحرب في قطاع غزة من خلال واقع حياة العائلات المتضررة، مثل عائلة الطفلة ديما سرور البالغة من العمر عشرة أعوام، التي أصيبت بشظية في رأسها. تتواجد ديما في مستشفى الشفاء وسط حالة من الهلع والألم، حيث تصف والدتها كيف تمكنت من إنقاذ ابنتها بعد قصف مدفعية الاحتلال لمنزلهم. وبالرغم من عدم ظهور إصابات ظاهرة على جسدها، إلا أن الشظية التي أصابتها استقرت في مركز الإبصار في دماغها، مما أدى إلى فقدانٍ تدريجي للرؤية. هذا الوضع يسلط الضوء على القصور الحاد في النظم الطبية بسبب كثرة الجرحى وندرة الموارد، حيث لم تتمكن ديما من الحصول على العلاج اللازم في الوقت المناسب.
تُحدث الأم عن اللحظات الصعبة التي عاشتها، حيث اضطرت للركض مع أطفالها نحو المستشفى بعد أن ترك زوجها مصابًا، وعندما وصلت، كانت بحاجة إلى البحث الطويل عن ديما بين أقسام المستشفى. الحالة هناك كانت كارثية، حيث كان يتم تطبيق نظام “المفاضلة” الذي يعتمد على وضعية كل مريض، وهو ما جعل فرص علاج ديما تتضاءل بسبب انعدام الإمكانيات. الأمر كان مؤلمًا بشكل خاص للأم التي رأت طفلتها تتألم دون أمل في العلاج الفوري، وهو ما أضاف عبءًا نفسيًا كبيرًا عليها.
إخوان محمد وعمر عبد العال هما مثال آخر على معاناة الأطفال في غزة، حيث شهد محمد مقتل أسرته ثم أُصيب بجروح خطيرة نتيجة القصف. مع فقد والدته وأفراد عائلته، يردد الطفل عبارات تعبر عن الألم والفقد، فذكرياته أُغلقت وراء جدران الألم، مما يعكس إلى أي مدى يمكن أن تكون الحرب مدمر لكل أشكال الحياة. في هذا السياق، تكافح الجدة لتقديم الدعم، لكن الوضع يفوق قدرتها على التحمل، مما يبرز تأثير القذائف على النسيج الاجتماعي للعائلات.
تتوالى قصص المعاناة في مشفى الشفاء الذي يعاني من قلة الموارد والأطباء، حيث يُشير الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان المنكوب، إلى فداحة الوضع، مؤكداً أنه لم يعد هناك أطباء جراحون متاحون لتقديم العناية الطبية اللازمة. وبدلًا من تقديم العلاج المناسب، يُضطر الأطباء فقط لتقديم الإسعافات الأولية تحت ضغط حالات الإصابة الشديدة. هذا الوضع يُعزز حاجتهم الملحة للإغاثة من قبل المنظمات الدولية، حيث طالب الدكتور أبو صفية بتدخل سريع لمساعدتهم في إنقاذ حياة المرضى العالقين في الصراع.
الوضع الإنساني في غزة على شفير الانهيار، مع استمرار الهجمات والمشاكل الصحية المتزايدة. مستشفيات القطاع لم يعد بإمكانها مقابلة أعداد الجرحى المتزايدة، ورغم الجهود الفردية من فرق طبية ومجتمع محلي، إلا أن المحاولات لم تُفلح في تلبية الاحتياجات المتوافقة مع حجم الكارثة. كل هذا يوضح الفجوة الكبيرة بين ما يحدث على الأرض وما يجب أن يحدث، مما يشكل نداءً عاجلاً لإنقاذ الأرواح.
أرقام الضحايا تتزايد يومًا بعد يوم، وكثير من الأطفال، مثل ديما و محمد، يعانون من عواقب دائمة من جراء الحرب، بينما الحياة السياسية تعيق تقديم المساعدات الإنسانية. وفي خضم هذا الظلام، يستمر الصوت الإنساني في البحث عن الأمل، مطالبًا المجتمع الدولي بإيجاد حلول عاجلة تعالج الوضع المتفاقم، فكل يوم يمر دون تدخل يعود بنتائجه السلبية على الأطفال وعائلاتهم التي تشهد ألم الفقد والمعاناة على مر السنين.