في مقال نُشر في مجلة “فورين بوليسي”، تناول البروفيسور جوليان زيليزر، أستاذ التاريخ والشؤون العامة في جامعة برينستون، كتاب “سمسار السلطة” للكاتب والصحفي الأميركي روبرت كارو، والذي صدر في عام 1974. يُبرز زيليزر أهمية الكتاب في فهم السياسة الأميركية ويعتبره مصدر إلهام للناخبين قبيل الانتخابات القادمة. يسرد كارو من خلال الكتاب قصة حياة روبرت موزيس، البيروقراطي والنفوذ السياسي في نيويورك، الذي استخدم سلطته لإعادة تصميم المدينة، مما أحدث تأثيرات سلبية على العائلات العاملة التي كانت تعيش في المناطق المستهدفة بمشاريعه.
يستند زيليزر إلى إشادة رؤساء أميركيين، مثل باراك أوباما، بتأثير الكتاب على طريقة فهمهم للسياسة. يعتبر الكتاب دليلاً قيميًا يسلط الضوء على أهمية الأخلاق في ممارسة السلطة، رغم أن موزيس لم يحظ بأصوات الناخبين. يسعى كارو من خلال سرد أحداث حياة موزيس إلى كشف كيف يمكن أن تؤثر شخصية من يتولى السلطة على حياة المواطنين. يعكس الكتاب دروسًا مهمة تتجاوز حدود نيويورك، حيث يمكن أن يستفيد منها القادة في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك رئيس الولايات المتحدة القادم.
تتناول صفحات الكتاب بعض التجاوزات التي ارتكبها موزيس، مثل بناء جسور تمنع الوصول إلى الشواطئ لركاب الحافلات السود، مما يعكس العنصرية المتأصلة في خياراته التصميمية. يصف زيليزر هذا الجزء بأنه أحد أكثر الأجزاء صدمة، مشيرًا إلى أهمية فهم كيفية تأثر قرارات التصميم بالاعتبارات الاجتماعية والسياسية. يركز كارو أيضًا على التطورات في مسيرة موزيس، بدءًا من طموحاته الإصلاحية في بدايات القرن العشرين، وصولاً إلى تحكمه في الهيئات الحكومية دون أن يتعرض للمساءلة.
مع مرور الوقت، تتوضح كيف تحولت مثالية موزيس إلى رغبة جامحة في السيطرة، مما أدى إلى ضرر كبير في حقوق المجتمع الذي اتخذنا منه وأهميته. تتحول رؤيته إلى واقع يدمر المجتمعات لأجل تحقيق طموحات شخصية. يرى زيليزر أن الأثر الدائم لما قام به موزيس يعكس تساؤلات رئيسية حول كيفية ممارسة السلطة وما تتضمنه من مسؤوليات. يبرز سيطرة موزيس واستمراره في السلطة كدليل على أن السلطة ليست فاسدة بالضرورة، بل تتعرض لنوايا الأفراد الذين يديرونها.
لقد ساهم الكتاب في إذكاء نقاشات حول مفهوم الثقة في الحكام والمرشحين الحاليين. في ظل التحديات الراهنة، يحث زيليزر الناخبين على التفكير في من يمكن الوثوق به في تحمل المسؤولية. يعكس التحليل ما يمر به النظام الديمقراطي الأميركي، مُشيرًا إلى ضرورة مراقبة الناخبين لصانعي القرار وكيف يمكن أن تؤثر جهودهم على المجتمع ككل. يبرز أهمية إعادة النظر في السلطة وأثرها على المجتمعات الضعيفة ويوجه دعوة محورية للناخبين للتركيز على القيم الأخلاقية عند اختيار ممثليهم.
تُلفت المخاوف التي أثارها “سمسار السلطة” الانتباه إلى الاختيار الحساس الذي يواجهه الناخبون في الانتخابات الحالية، خصوصًا مع وجود فرديات مثل دونالد ترامب، الذي يُعتبر مصدر تهديد لاستقرار النظام الانتخابي. توضح المخاوف من استبعاد الضوابط التي تحكم السلطة، مما يعيد النقاش إلى أهمية الأخلاق في القيادة. في نهاية المطاف، يُشدد زيليزر على ضرورة أن يتذكر الناخبون الآثار السلبية التي تركها موزيس على المجتمعات عند اتخاذ قراراتهم في الانتخابات المقبلة، ليظلوا واعين للمسؤولية الملقاة على عاتقهم.