حذر مركز استخباراتي أميركي من أن شح المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد يتحول إلى سلاح ومحرك للصراعات في المنطقة. وأشار تقييم مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الإستراتيجية إلى أن مشكلة نقص المياه، التي تفاقمت بسبب سوء الإدارة والنمو السكاني، سترفع من حدة التوترات والصراعات الاجتماعية والعنف. وأكد التقرير أن هذا “الإجهاد المائي” بات يشكل تهديداً لاستقرار الدول والكيانات في المنطقة، مما يجعل الوصول إلى المياه عاملاً سلبياً يؤدي إلى النزاع والاضطرابات.
طرحت تقارير مركز “ستراتفور” مشكلة تفشي إدراة المياه السيئة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، معتبرة أن الظروف المناخية القاسية وسوء الإدارة على مر العقود جعلت من الانخفاض في المياه ظاهرة متزايدة. ويقطع تقرير معهد الموارد العالمية أن العديد من الدول في المنطقة، مثل البحرين وقطر وعمان، تعاني بشكل حاد من نقص المياه. ونتيجة لذلك، تأثر 83% من السكان في المنطقة سلبًا بزيادة الضغط على الموارد المائية المحدودة، مما يبرز الحاجة الملحة إلى استراتيجيات ذكية وإدارة فعالة للمياه.
حذر مركز “ستراتفور” من أن الدول الغنية بالمياه قد تستخدم هذا المورد الهام كسلاح قمعي ضد الأعداء المحتملين. في حال نشوب نزاعات، ستعتمد هذه الدول على احتكار المياه كوسيلة لردع الأعمال العدائية. في المقابل، ستتجه الدول المعرضة لنقص المياه نحو إبرام اتفاقيات مع الدول الأخرى لتأمين إمدادات مائية. لكن التحديات الجغرافية والسياسية والمالية قد تعوق جهود هذه الدول في إبرام الاتفاقيات، مما يعزز فكرة استخدام المياه كأداة استراتيجية للسيطرة والنفوذ.
تظهر العلاقات بين الدول في المنطقة تأثير المياه بشكل واضح، مثلما حدث في الاتفاق بين الأردن وإسرائيل عام 2021، حيث حصلت عمان على إمدادات المياه مقابل تزويد إسرائيل بالطاقة. فرغم أن الاتفاق يشجع التعاون، فإنه يسلط الضوء على اختلال موازين القوى، حيث تُسيطر إسرائيل على المصادر المائية، مما يُعرِّض الأردن إلى مخاطر نقص المياه خلال فترات الجفاف. كما يبرز النزاع بين تركيا والعراق وسوريا أهمية المياه كأداة قمعية، حيث تتحكم تركيا في نهري دجلة والفرات، مما يؤثر سلبًا على دول المصب.
يعتبر ضعف هياكل الحكم في المنطقة عاملاً إضافياً يُعزز من تفاقم أزمة المياه. إذ تساهم الفوضى السياسية والفساد ونقص الاستثمار في البنية التحتية للمياه في تفشي هذه المشكلة. على سبيل المثال، تعاني مصر من ضغوطات زراعية متزايدة بسبب السياسات الحكومية التي تركز على المحاصيل كثيفة الاستهلاك للماء. بالتوازي، أدت موجات الاستياء الاجتماعية في الجزائر وإيران بشأن إدارة المياه غير الكافية إلى مظاهرات، مما يُنذر بمزيد من التفتيت الاجتماعي والصراعات في الفترات المقبلة.
في ختام التقرير، يعكس الخبراء ضرورة مواجهة تحديات إدارة المياه في المنطقة، ويشددون على أهمية التعاون الدولي والإقليمي لتفادي تفاقم النزاعات المحتملة الناجمة عن نقص الموارد المائية. بالنظر إلى المستقبل، قد يؤدي تفاقم الأزمات المائية إلى تزايد الانقسامات الاجتماعية والسياسية، وظهور الجماعات المسلحة كفاعلين رئيسيين في السيطرة على الموارد المائية. إذا لم يتم معالجة هذه القضايا بشكل استباقي، ستستمر مشكلة الندرة في المياه في تقويض استقرار المنطقة.