أوتاوا- ربما لم يخطر على بال زعيم حزب المحافظين في كندا، بيير بوالييفر، وهو يتوعد أثناء الحملة الانتخابية بترحيل المشاركين في المظاهرات المؤيدة لغزة، أنه سيتعرض شخصيا لترحيل من نوع آخر يُبعده عن البرلمان.
ورغم حصول الحزب المحافظ على أكثر من 40% من المقاعد، فإن قائد الحزب تلقى هزيمة في دائرته الانتخابية بكارلتون في العاصمة أوتاوا، إذ خسر مقعده النيابي في مجلس العموم، في سابقة من نوعها في تاريخ زعامة حزب رئيسي فدرالي في البلاد.
ويرى محللون أن الدائرة الانتخابية في كارلتون ظلت أحد معاقل المحافظين في العاصمة لكن كثرة المرشحين بها (91 مرشحا) خلال الانتخابات الأخيرة تسببت في تشتيت الأصوات وإتاحة الفرصة لفوز الليبراليين بمقعدها.
إهمال دائرته
ولم يستغرب الليبرالي الفائز بدائرة كارلتون الانتخابية، بروس فانجوي، فوزه بل أرجع ذلك إلى الجهود التي بذلها فريقه لكسب السباق وهزيمة زعيم المحافظين.
وأضاف فانجوي في تصريحات إعلامية أن بوالييفر أهمل الدائرة الانتخابية وتوقع الفوز بها بسهولة، مركزا على الحملة الوطنية. وقال “في بداية الحملة كان لدى بوالييفر نفس عدد الأصوات التي حصلتُ عليها، لكننا عملنا بجد دون توقف والتقينا بالناخبين في جميع أنحاء الدائرة الانتخابية لكسب تأييدهم”.
ومنذ صدور نتائج الانتخابات وإعلان يوم الثلاثاء المقبل موعدا لانعقاد اجتماع للمحافظين لبحث أسباب الهزيمة، ظهرت تساؤلات عن مستقبل بوالييفر وإمكانية استمراره زعيما للحزب بعد خسارته في السباق النيابي.
وبخلاف زعيم حزب “الديمقراطي الجديد” جاغميت سينغ، الذي أعلن استقالته عشية إعلان النتائج الأولية التي أظهرت هزيمته الشخصية بدائرته الانتخابية في كولومبيا البريطانية وتراجع أداء حزبه، أبدى بوالييفر استعداده للاستمرار في المنصب بعد أن هنأ المحافظين على أدائهم الانتخابي، وأشار إلى أن التغيير لا يتحقق بيوم وليلة.
ومن المتوقع أن يناقش المحافظون في اجتماعهم المرتقب موضوعات منها تقييم المرحلة الماضية، واختيار زعيم مؤقت للمعارضة داخل مجلس العموم بعد أن خسر قائد المحافظين مقعده النيابي.
وكانت وسائل إعلام محلية سخرت من فقدان بوالييفر امتيازات منها السكن الخاص بزعيم المعارضة في البلاد، في إشارة إلى المنزل الذي عاش فيه قائد الحزب المحافظ منذ 2022.
عوامل متضافرة
في حديث للجزيرة نت، أوضح رئيس تحرير صحيفة “عرب كندا” الباحث السياسي زهير الشاعر، أن خسارة زعيم حزب المحافظين لمقعده النيابي في دائرة كارلتون جاءت نتيجة لتضافر عوامل منها: الخطاب التصادمي والنبرة الهجومية الحادة التي اعتادها بوالييفر تجاه الحكومة والنخب، وهذا “أدى إلى نفور بعض الفئات المعتدلة التي أرادت التغيير دون المجازفة بخيارات متطرفة”.
واتهم الشاعر زعيم المحافظين بضعف الرؤية العملية، مبينا أن حملته افتقرت إلى خطة تفصيلية واقعية لإقناع الناخبين بإمكانية التنفيذ. وأشار إلى أن كثيرا من الكنديين عبروا عن رغبتهم في التغيير، لكنهم “رفضوا السير وراء خطاب راديكالي شعبوي، فتحول بوالييفر من رمز للمعارضة إلى هدف انتخابي مباشر”.
وردا على سؤال عن إمكانية استمراره في زعامة الحزب، رجّح الشاعر أن يواصل بوالييفر قيادة المحافظين في المدى القريب مدعوما بقيادات مؤثرة داخل الحزب سارعت إلى تأييده، ورأت أن هزيمته الشخصية لا تنسف المشروع المحافظ، بل تعكس ظروفا موضعية وخارجة عن الإرادة، كتأثير الحملات المركزة، وتشتيت الأصوات، وتقلبات المزاج المحلي.
وأضاف “ثمة شرائح واسعة داخل الحزب ترى أن بوالييفر يتمتع بكفاءة تنظيمية وكاريزما قادرة على استنهاض القواعد، وتحدي الليبراليين، واستكمال الرؤية التي بدأها، بشرط أن يحسن التعامل مع تداعيات الخسارة، ويهيئ الظروف لعودته السريعة إلى البرلمان”.
ولكن استمرار زعيم المحافظين في القيادة مرهون -حسب الشاعر -بـ3 شروط هي:
- العودة السريعة إلى البرلمان عبر انتخابات تكميلية في دائرته الانتخابية، وهي عملية قد تستغرق 6 أشهر على الأقل وتحتاج إلى إعلان رسمي من رئيس الوزراء عن شغور مقعد بسبب انسحاب.
- عدم ظهور منافسين داخل المحافظين قادرين على تحدي بوالييفر في القيادة.
- واستعداد الأخير لتعديل خطابه السياسي من أجل استعادة ثقة الشرائح المعتدلة داخل الحزب.
وأوضح الشاعر أن غياب بوالييفر عن مجلس العموم يضعف أداء حزب المحافظين في المساءلة البرلمانية، كما أنه ضربة لشرعيته القيادية في نظام سياسي يمنح التمثيل البرلماني وزنا حاسما في تكريس الزعامة، فـ”زعيم لم يتمكن من الفوز بمقعده يصعب تقديمه للرأي العام كقائد للمرحلة المقبلة”.
فلسطين والهجرة
وعُرف بوالييفر بعدم اهتمامه بأصوات الجالية العربية والمسلمة في كندا رغم أهميتها. إضافة إلى تأييده المطلق لإسرائيل والاعتراض على تسمية ما يجري في غزة بالإبادة الجماعية. وتعهد خلال الحملة الانتخابية الأخيرة بترحيل الأجانب المشاركين في المظاهرات المؤيدة لفلسطين في حال فوزه برئاسة وزراء البلاد، مشيرا إلى أن ما وصفها بـ”مسيرات الكراهية” التي ينظمها مناصرو القضية الفلسطينية في كندا تسهم في زيادة “معاداة السامية”.
وخلال السنوات الأخيرة دأب بوالييفر على انتقاد حكومة رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو بالتوسع في استقبال اللاجئين والمهاجرين، وربط ملف الهجرة واللجوء بالغلاء المعيشي وأزمة السكن في البلاد.
ويُعدّ الوجود الإسلامي والعربي في كندا قديما وربما يمتد إلى أكثر من قرن. ويقدر عدد المسلمين في البلاد حاليا بأكثر من 1.8 مليون، كما لوحظ لدى الجالية المسلمة في الحملة الانتخابية الأخيرة تكثيف التوعية بالمشاركة في الانتخابات وبناء قرار التصويت على موقف الأحزاب المتنافسة من المسلمين والقضية الفلسطينية.
وفي الانتخابات الأخيرة، استضاف جامع الرحمة في أوتاوا، للمرة الأولى، مركز اقتراع ضمن دائرة جنوب العاصمة حيث يعيش عدد كبير من العرب والمسلمين، صوّت أغلبهم للحزب الليبرالي.