كثّف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضرباته الجوية في سوريا مستهدفا قادة في تنظيم “حراس الدين” بعد أيام من إعلان التنظيم حلّ نفسه، مما يثير تساؤلات عن هدف واشنطن من هذه العمليات، وطبيعة التنسيق المفترض مع الإدارة السورية الجديدة في هذا الصدد.

كان آخر هذه الهجمات يوم الثلاثاء 25 فبراير/شباط الجاري، حيث استهدفت طائرة تابعة للتحالف الدولي قياديا في التنظيم يدعى أبو أحمد الشامي في مدينة جرابلس شرقي حلب، بحسب منظمات حقوقية أكدت أيضا استهداف التحالف قياديا آخر في التنظيم يدعى جعفر التركي شمالي إدلب.

وبذلك يبلغ عدد الاستهدافات لقياديي حراس الدين 4 مرات خلال هذا الشهر، بدأت بتبني التحالف الدولي اغتيال مسؤول الشؤون المالية واللوجيستية للتنظيم يوم 16 فبراير/شباط الجاري، لتعلن بعدها القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) اغتيال القيادي الكبير في التنظيم وسيم تحسين بيرقدار بضربة جوية استهدفت مكان وجوده في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي.

ورغم أن هذه الاستهدافات لتنظيم حراس الدين لا تعد جديدة على التحالف الدولي، فإن السؤال هو عن سبب ارتفاع وتيرتها وتوقيتها بعد إعلان التنظيم حلّ نفسه، وهل ما زال يشكل خطرا على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، أم إن هناك رسائل أخرى تريد واشنطن إيصالها؟

علم تنظيم “حراس الدين” على منصة تليغرام (مواقع التواصل)

التأسيس والتصنيف

تشكّل تنظيم حراس الدين بصفته فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا، وأعلن عن تأسيسه رسميا يوم 27 فبراير/شباط 2018، ووصف نفسه على صفحاته الرسمية وقتها بأنه ‏”تنظيم إسلامي من رحم الثورة السورية المباركة يسعى لنصرة المظلومين وبسط العدل بين المسلمين، والإسلام هو مصدر التشريع”.

وتبنى التنظيم أيديولوجية القاعدة السلفية الجهادية، التي تدعو لمهاجمة الغرب وإسرائيل بهدف طرد النفوذ الأجنبي من الأراضي الإسلامية، على حد وصفه.

ولد تنظيم حراس الدين من رحم جبهة النصرة عقب قرارها فك ارتباطها بتنظيم القاعدة عام 2016، حين رفضت مجموعة من القيادات والعناصر هذا الانفصال، متمسكة بولائها للقاعدة، وبعد إعلان تأسيسه توالت الانضمامات إلى صفوف التنظيم على مدى الأشهر القليلة.

وأعلنت 16 مجموعة وفصيلا انضمامها إلى التنظيم الجديد، معظمها مجموعات وكتائب وسرايا منشقة عن هيئة تحرير الشام، من أبرزها جيش البادية وجيش الساحل وسرية كابل وسرايا الساحل وجيش الملاحم وجند الشريعة، ليتحول بذلك الفصيل إلى تنظيم لا يُستهان به في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بحماة وحلب واللاذقية.

وصنفت الولايات المتحدة التنظيم “كيانا إرهابيا عالميا” في سبتمبر/أيلول 2019، في حين أدرجه الاتحاد الأوروبي في قائمته للمنظمات الإرهابية في مايو/أيار 2022.

ومنذ بداية التصنيف، تعرض التنظيم لضربات قوية أفقدته معظم قدراته العسكرية وقياداته البارزة، كما قضت سلسلة غارات جوية أميركية على أهم عناصره، وأفقدته موجات من المواجهات مع هيئة تحرير الشام نفوذه في تلك المناطق التي لم يسيطر فيها على بقعة جغرافية محددة، وإنما كان يتنقل وينفذ عملياته على شكل مجموعات صغيرة.

وفي 28 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت قيادة حراس الدين حلّ التنظيم، موضحة أن المهمة انتهت في سوريا بعد “تحرير أرض الشام من الطاغية وانكسار جيشه وفراره”.

وقالت قيادة التنظيم، في بيان رسمي نشرته على تليغرام، “نظرا للتطورات على الساحة الشامية وبقرار أميري من القيادة العامة لتنظيم قاعدة الجهاد، نعلن لأمتنا المسلمة ولأهل السنة في الشام حلّ تنظيم حراس الدين”.

تنظيم “حراس الدين” حافظ على أيديولوجية السلفية الجهادية وأكد استعداده للعودة إلى القتال إذا لزم الأمر (رويترز)

مخاوف أميركية

منذ بداية العام الحالي تعرض التنظيم لست ضربات جوية من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، استهدفت كبار قياداته العسكرية والمالية، ويرى محللون أن هذا التصعيد قد يرتبط برغبة أميركية في تصفية بنك أهدافها قبل الشروع في مرحلة جديدة من العلاقات مع السلطات السورية الجديدة، في حين يراه مختصون في الحركات الإسلامية أنه يعود إلى وجود مخاوف أميركية من نشاط هذا النوع من التنظيمات الأيديولوجية العابرة للحدود، على الرغم من إعلانه حل نفسه.

وتعليقا على هذه المخاوف، يرى الباحث في الشؤون العسكرية وجماعات ما دون الدولة عمار فرهود أن الاستهدافات الأميركية المتواصلة لشخصيات من “حراس الدين” رغم إعلان التنظيم حلّ نفسه، وغياب نشاطه العلني على مدى سنوات سبقت هذا الحل، مرتبط باحتمال أن تشكل هذه الشخصيات خطرًا مستقبليا حسب وجهة النظر الأميركية.

وعن هذه المخاطر، يشير فرهود، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الولايات المتحدة تدرك أن الهوامش التي توفرت في سوريا لتنظيم حراس الدين وغيرها من الجماعات المصنفة على قوائم الإرهاب بعد سقوط نظام الأسد على مستوى حرية الحركة وتأمين السلاح وأوراق السفر، أصبحت كبيرة.

ويضيف فرهود أن هذا الواقع يرفع حالة التأهب لدى الولايات المتحدة، مما يدفع لاستهداف شخصيات كانت فاعلة ثم خرجت من التنظيم، ومن الممكن أن تساعد حراس الدين في بعض نشاطاته من خلال هذه الهوامش ولذلك تم استهدافها، وإلا فلماذا استهدفت هذه الشخصيات اليوم ولم تُستهدف بهذا الحجم عندما كانت فاعلة؟ يتساءل الباحث.

وتؤكد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) بشكل دائم في تقييماتها أن حراس الدين يمثل امتدادا لتنظيم القاعدة في سوريا، ويشاركه رؤيته في استهداف المصالح الأميركية والغربية على المستوى العالمي.

إجراء شكلي

يبدو واضحا من خلال تكرار الاستهداف الأميركي لقيادات التنظيم في الآونة الأخيرة أن الولايات المتحدة تتعامل معه على أنه تنظيم نشط ولن يحلّ نفسه عمليا، وما يدعم هذا الاحتمال هو عدم وجود تقارير تشير إلى تفكيك التنظيم معسكراته، وتسليم أسلحته إلى الإدارة السورية الجديدة، مما يعني -بحسب باحثين في الجماعات الجهادية- أن قرار الحل كان إجراءً وقائيا لتخفيف الضغط العسكري والاستخباراتي عليه، وليس إنهاء حقيقيا لوجوده.

وفي هذا السياق، حمل البيان الذي تضمن إعلان التنظيم حل نفسه، إشارات إلى إمكانية إعادة تنظيم صفوفه إذا ما دعت الظروف لذلك، إذ أكد البيان أن “أتباع التنظيم يعدون الأمة بأنهم سيبقون من جنودها المستجيبين لأي نداء نصرة واستغاثة في أي بقعة من ديار المسلمين”.

من ناحيته، يوضح الباحث في الجماعات الجهادية حسن أبو هنية أن إعلان حراس الدين حل نفسه لا يفهم منه مطلقا التخلي عن أيديولوجيته المعروفة، لا سيما أيديولوجيته الجهادية في مواجهة أميركا وإسرائيل، وبالتالي فإن هذا البيان شكلي لنزع أي مبررات لاستهدافه سواء من الإدارة الجديدة أو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

ويوضح أبو هنية، في حديثه للجزيرة نت، أنه على الرغم من حالة الضعف والتراجع التي عانى منها التنظيم بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فإنه بقي موجودا لأنه منذ تأسيس تنظيم القاعدة في خراسان يعتبر أن فلسطين قضية مركزية، وأن المدخل لفلسطين هو بلاد الشام “درة تاج القاعدة”، والتي تخلق ملاذات آمنة للقاعدة في محيط فلسطين، كما يركز على أن الشام أيضًا أرض الملاحم آخر الزمان للمواجهة الحتمية ضد إسرائيل.

وبناءً عليه، فإن تنظيم القاعدة لن يتخلى عن محاولة إعادة تنظيم صفوف “حراس الدين”، مستغلاً حالة الفوضى في سوريا بعد سقوط النظام، وهذا ما يخيف الولايات المتحدة، ويدفعها لاستمرار استهداف قياداته وتقويض تحركاته، بحسب الباحث أبو هنية.

وكان التنظيم قد أقر رسميا وللمرة الأولى في بيان حل نفسه ارتباطه بالقاعدة، مؤكدا على رمزية بلاد الشام بقوله “ننصح أهل السنة في الشام بعدم ترك السلاح وتجهيز أنفسهم للمراحل القادمة التي أخبرنا بها نبينا محمد، فأرض الشام أرض الملاحم الكبرى، ومقبرة للطغاة والمستعمرين، وفسطاط للمسلمين في قتالهم لليهود ومن يلونهم من أعداء الدين”.

رسائل للداخل الأميركي

إضافة للأهداف الأمنية والعسكرية التي تعلن عنها الولايات المتحدة من خلال استهداف تنظيم حراس الدين أو غيره من التنظيمات المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية في سوريا، تحمل هذه العمليات أيضا رسائل تهدئة إلى الداخل الأميركي، وذلك بعد حالة الجدل التي أثارها الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021، حيث اتهمت اتجاهات عديدة الإدارة الأميركية بـ”التهور” في عملية الانسحاب.

وكان العديد من المسؤولين الأميركيين حذروا من قرار الانسحاب من أفغانستان، مبررين ذلك بأن “القاعدة” ستعيد تنظيم صفوفها في هذا البلد، ومن أبرز هؤلاء المسؤولين ديفيد كوهين نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلال كلمته في “قمة الاستخبارات 2021” التي عُقدت في واشنطن، حيث قال إن “تنظيم القاعدة يمكن أن يشكل تهديدا للولايات المتحدة الأميركية في غضون عام أو عامين بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان”، وأعرب عن توقعاته بأن “القاعدة ستقوى مجددا في أفغانستان”.

وبناءً على هذه القراءة، يوضح الباحث أبو هنية أن بيان حل “حراس الدين” نفسه يشابه ويتناسب مع التحولات التي طرأت على تنظيم القاعدة عندما أخفى وجوده أيضا بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، ومقتل الظواهري، وتولي سيف العدل قيادة تنظيم القاعدة.

يشار إلى أن أهمية العمليات ضد “حراس الدين” استدعت تعليقًا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خروج عن سياق التعليقات التي كانت تصدر عن الإدارة الأميركية عند مقتل قيادات ذات ثقل تنظيمي كبير مثل قادة تنظيم الدولة الإسلامية، إذ كتب ترامب يوم 18 فبراير/شباط الجاري، عبر منصة “تروث سوشيال”، أن الولايات المتحدة نفذت غارة جوية دقيقة ضد “أحد أعضاء تنظيم القاعدة في سوريا، حيث كان الزعيم الإرهابي يعمل مع تنظيم القاعدة بجميع أنحاء المنطقة”.

وأشاد الرئيس الأميركي بقوات السنتكوم التي نفّذت العملية بالقول “تهانينا لقائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا والمقاتلين الأميركيين الذين حققوا العدالة لجهادي آخر يهدد أميركا وحلفاءنا وشركاءنا”.

ما دور الإدارة السورية الجديدة؟

اتسمت العلاقة بين تنظيم حراس الدين وهيئة تحرير الشام، التي كانت تحت قيادة أحمد الشرع، بالتوتر المستمر، ويرجع ذلك أساسا إلى الخلاف الجذري بشأن قرار فك الارتباط بتنظيم القاعدة.

وكان الشرع قد لاحق العديد من قيادات حراس الدين بعد إعلانهم تأسيس التنظيم، واعتقل العديد من كوادره وقياداته حتى استطاع تقريبا تفكيك التنظيم بحلول عام 2020.

وحول دور الإدارة الجديدة في هذا الموضوع، يعتقد الباحث أبو هنية أنه في المفاوضات بعد سقوط النظام كانت هناك اتصالات بين الإدارة الجديدة والولايات المتحدة تتحدث عن تعاون أمني في قضية ما يسمى محاربة الإرهاب، وهناك نوع من الاتفاق.

لكن الباحث عمار فرهود ينفي وجود تعاون بهذا المستوى بين الإدارة الجديدة وواشنطن، ويرجح استمرار هذه الاستهدافات في ظل وجود سلطة حالية في سوريا غير قادرة على ضبط المشهد الأمني من وجهة نظر واشنطن، التي لم تعتبر أن ملف هذه الجماعات لا يزال تحت سيطرتها وليس منوطًا بالإدارة السورية الجديدة، مما يعني أن الولايات المتحدة ستحافظ على أمنها بيدها من خلال هذه الضربات.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version