مراسلو الجزيرة نت
طهران- في تطور لافت بمنطقة القوقاز، أطلقت إيران وأذربيجان مناورات عسكرية مشتركة تحت اسم “أراس 2025″، في خطوة تعكس تحسنا في العلاقات الثنائية بعد فترة من الفتور والتوترات السياسية.
وجاءت هذه المناورة التي انتهت الأربعاء، بالتزامن مع مساعٍ دبلوماسية لإعادة بناء الثقة بين البلدين وتعزيز التعاون الأمني على طول حدودهما المشتركة.
وبحسب تقارير رسمية، جرت المناورة في منطقة قرب نهر أراس وتشمل تدريبات ميدانية للقوات الخاصة، وشاركت فيها وحدات من الحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني إلى جانب الجيش الأذربيجاني، وهدفت إلى تعزيز التنسيق الميداني وتبادل الخبرات في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، مثل “الإرهاب” وتهريب السلاح.
وجاءت هذه الخطوة بعد زيارة رفيعة المستوى أجراها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مؤخرا إلى باكو، حيث اتفق الجانبان على توسيع التعاون الإستراتيجي في المجالات الدفاعية والاقتصادية.
ويُنظر إلى المناورة باعتبارها مؤشرا على رغبة مشتركة في تجاوز مرحلة التوتر التي أعقبت الهجوم على السفارة الأذربيجانية في طهران عام 2023، حيث أعلنت وسائل إعلام إيرانية تزامنا مع اليوم الأخير من المناورات عن تنفيذ حكم الإعدام بحق المعتدي على السفارة الأذربيجانية في طهران، واعتبرت هذه الخطوة بادرة حسن نية.
أبعاد دبلوماسية وأمنية
وتحظى هذه المناورة باهتمام خاص لتنظيمها في منطقة حساسة كانت مسرحا لنزاعات متكررة بين أذربيجان وأرمينيا، وهو ما يمنحها أبعادا جيوسياسية تتجاوز الإطار العسكري، ويدفع مراقبين إلى اعتبارها رسالة مزدوجة لكل من تل أبيب ويريفان، بأن طهران لن تغيب عن ترتيبات الأمن في جنوب القوقاز.
وفي مداخلة للجزيرة نت، يرى الباحث العسكري الإيراني حسين حقيان أن المناورات العسكرية المتعددة الجنسيات تُجرى عادة لأهداف متعددة، من بينها رفع الجاهزية القتالية وتعزيز التنسيق المشترك لمواجهة التهديدات، لا سيما الإرهابية منها.
ويشير حقيان إلى أن المناورة الأخيرة بين إيران وأذربيجان تأتي في هذا السياق، لكنها في الوقت ذاته تحمل أبعادا دبلوماسية لا تقل أهمية.
ويؤكد حقيان أن هذه المناورة جزء من سلسلة تدريبات متفق عليها تُنفذ بشكل منتظم، وهو ما يعكس وجود برنامج تعاون عسكري طويل الأمد بين طهران وباكو.
وفي تقديره، فإن لهذه المناورة بعدين دبلوماسيين مهمين:
- أولهما مرتبط بالتغيرات الجيوسياسية التي طرأت على منطقة القوقاز بعد حرب قره باغ، حيث تسعى إيران، حسب قوله، إلى التكيف مع النظام الإقليمي الجديد، والحفاظ على نفوذها في المنطقة، وعدم الخروج من معادلاتها الأمنية. ويلفت في هذا السياق إلى أن إجراء المناورة في منطقة قره باغ يحمل دلالة واضحة على استمرار النفوذ الإيراني هناك.
- أما البُعد الثاني، فيتصل بما يصفه حقيان بـ”هندسة العلاقات المعقدة بين إيران وأذربيجان وإسرائيل”. ويوضح أن طهران تعمل على تعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية مع باكو في محاولة لاحتوائها وإبعادها عن المحور الإسرائيلي، خصوصا في ظل تعمّق التعاون بين تل أبيب وباكو في مجالات التسليح والتكنولوجيا الدفاعية.
ويضيف الباحث الإيراني أن إسرائيل لم تنجح حتى الآن في تنظيم مناورة عسكرية مشتركة مع أذربيجان، بينما تتحرك إيران لتكون الطرف المتقدم في هذا المجال.
ولا يستبعد حقيان أن تمهد هذه الخطوات لعقود تسليح مستقبلية بين طهران وباكو، خاصة أن لدى إيران بدائل وطنية لبعض الأسلحة الإسرائيلية التي تعتمد عليها أذربيجان، مثل الطائرات المسيّرة الانتحارية والصواريخ المضادة للدبابات، مما يجعل التعاون العسكري بين الطرفين خيارا أكثر استقلالية وأقل تكلفة.
رسائل ميدانية
وفي السياق ذاته، يقول خبير الشؤون العسكرية محمد مهدي يزدي للجزيرة نت إن المناورة الأخيرة بين إيران وأذربيجان تأتي استكمالا لاتفاقات أُبرمت سابقا بين قيادتي البلدين، وخصوصا على مستوى الرؤساء، مشيرا إلى أن أول مناورات مشتركة بين الجانبين أُجريت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي بمحافظة أردبيل شمال غربي إيران.
ويضيف يزدي أن الهدف الرئيسي من هذه المناورات يتمثل في تعزيز التنسيق ورفع مستوى التعاون الثنائي، لا سيما في المجال العسكري، معتبرا أن هذه الخطوة تعكس حرص الطرفين على ترسيخ الشراكة الدفاعية في مرحلة إقليمية حساسة.
ويؤكد أن وجود قوات البلدين على أراضي كل منهما يُتيح فرصة عملية للتعرف عن كثب على قدرات كل طرف في المجالين الدفاعي والهجومي، مما يسهم في بناء الثقة العسكرية ورفع الجاهزية المشتركة.
ويلفت يزدي إلى أن التعاون العسكري بين إيران وأذربيجان لا يخلو من رسائل إقليمية، موضحا أن هذا التقارب قد يحمل إشارة موجهة لإسرائيل التي تربطها علاقات أمنية وعسكرية متنامية مع باكو. وبرأيه، فإن المناورات الإيرانية الأذربيجانية قد تدفع تل أبيب إلى إعادة النظر في حجم ونوعية وجودها داخل الأراضي الأذربيجانية.
ويختم يزدي بالإشارة إلى أن طهران تسعى لأن يكون لها دور أكبر في إدارة التوازنات الإقليمية، خصوصا فيما يتعلق بالنزاع بين أذربيجان وأرمينيا، مؤكدًا أن إيران تطمح إلى أن تلعب دور الوسيط الفاعل، وألا تظل بعيدة عن ترتيبات الأمن في منطقة القوقاز.
وبينما تسعى باكو لتحقيق توازن بين شركائها، يبدو أن طهران عازمة على ألا تكون مجرّد متفرج في ساحات أمنها الحيوي.
وفي هذا السياق الإقليمي المعقد، تبدو مناورات “أراس 2025” أكثر من مجرد تدريبات عسكرية؛ فهي تجسيد لمحاولة إيرانية لإعادة تموضعها في جنوب القوقاز من بوابة التعاون مع أذربيجان، في مواجهة النفوذ الإسرائيلي المتصاعد والفراغ الأمني الذي خلفته المتغيرات الجيوسياسية.