في تصريح أمريكي لافت أثناء عودته من زيارة إلى ألبانيا، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مخاوفه من احتمال قيام إسرائيل بتحركات نحو دمشق، والتي قد تنعكس على الأوضاع الإقليمية. وأشار أردوغان إلى أن السيطرة الإسرائيلية على العاصمة السورية قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، محذراً من أن ذلك قد يمدد المخاطر إلى الشمال السوري ويؤثر سلباً على الأمن التركي، خاصة على الحدود الجنوبية. وأكد على أهمية تفعيل تعاون ثلاثي بين روسيا وسوريا وإيران لمواجهة ما سماه “التنظيمات الإرهابية” المرتبطة بالولايات المتحدة، والتي يعتبرها تهديداً للأمن التركي.
جاءت تصريحات أردوغان عقب حديث سابق له حول الأهداف التوسعية لإسرائيل التي تشمل تركيا بعد فلسطين ولبنان، مشدداً على أن بلاده لن تتوانى عن مواجهة “إرهاب الدولة” بكل الوسائل المتاحة. وقد عقد البرلمان التركي جلسة مغلقة لمناقشة التهديدات الإسرائيلية، حيث قدم وزيرا الخارجية والدفاع تحديثات حول التطورات الأمنية والتداعيات المحتملة على تركيا، مما يدل على جدية المخاوف المحلية من التصعيد في المنطقة.
في تحليل لهذه التحولات، اعتبر المحلل السياسي باقي لالي أوغلو أن تصريحات أردوغان تعكس تحولاً كبيراً في السياسة التركية، حيث لم تعد تقتصر على القضايا الإنسانية والاقتصادية، بل ترى بوضوح أن السياسات العدوانية لإسرائيل تؤثر على تركيا بشكل مباشر. ويوضح لالي أوغلو أن الهجمات الإسرائيلية في المناطق المحيطة قد تؤدي إلى موجات نزوح جديدة نحو الشمال، وهو ما يستدعي توسيع مناطق الأمان التركية هناك. ويُشير إلى أن الاحتلال الجزئي من قبل إسرائيل في جنوب سوريا قد يكون ممكناً، مما يزيد من المخاوف التركية من وجود تهديدات مباشرة على حدودها.
كما أكد الكاتب محمود علوش أن ما حذرت منه تركيا على مدار عام وتحديداً التوسع الإسرائيلي في المنطقة بات واقعاً ملموساً، حيث تواصل إسرائيل عملياتها الانتقامية دون رادع، مما يفتح المجال أمام تصعيد قد يطال دولاً مثل العراق وسوريا وإيران. ويرى علوش أن هذا التصعيد يعد مصدر قلق بالنسبة لتركيا، إذ يمكن أن يكون له تداعيات أمنية واقتصادية وسياسية تؤثر بشكل مباشر على أنقرة وتوازناتها الداخلية.
وفي سياق التغيرات السياسية المحلية، لوحظ تحول في موقف الحكومة التركية تجاه الأكراد، حيث تمتseen مصافحة غير تقليدية بين زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي وبعض قادة حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، وهو ما يُظهر تقارباً غير متوقع قد يتسبب في تغييرات في السياسات تجاه القضايا الكردية. وأشار أردوغان إلى أهمية محاسبة الأحزاب على مواقفهم السابقة، مما يعكس ضرورة إعادة النظر في الديناميات السياسية الداخلية. وذكر أن هناك مساعٍ لاستئناف المحادثات مع عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، وهو ما قد يمهد لفصل جديد من العلاقات بين الحكومة والأكراد، لا سيما في ظل الاحداث الدولية والإقليمية المعقدة.
في النهاية، تبدو هذه التحولات السياسية محاولات من الحكومة التركية لتخفيف الاستقطاب الداخلي في إطار السعي لتعزيز استقرارها في مواجهة الضغوطات الإقليمية. وقد تعكس هذه النزعة نحو التليين في السياسة التركية رغبة في تعديل الدستور وتقديم تنازلات في قضايا الصراع الكردي كجزء من الاستراتيجيات السياسية الداخلية والخارجية. التغيرات في موقف الحكومة قد تتيح مساحة أكبر لتعزيز الوجود التركي في الشمال السوري، مما قد يتمثل في تفاهمات مع الأكراد على خلفية التهديدات المشتركة.