في إطار التصعيد العسكري الذي تشهده مناطق الشرق الأوسط، تتصاعد حدة الانتهاكات تجاه الصحفيين، وخاصة أولئك الذين يوثقون ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من جرائم في قطاع غزة ولبنان. حيث أظهر تقرير أعدته فاطمة التريكي احتفال كبير مذيعي القناة الـ12 الإسرائيلية، داني كوشمارو، بتفجير منزل في قرية عيتا الشعب اللبنانية. ووفقًا للتقرير، كان كوشمارو قد رافق قوات الاحتلال خلال عملياتها العدائية السابقة، مما جعل هذا العمل يظهر كنوع من “التشريف” لما يحدث من أحداث دامية، حيث تم تفجير المنزل قبل تراجعهم خشية نيران حزب الله.
كوشمارو لم يكتف بالتفجير، بل صور هذا الفعل وكأنه إنجاز عسكري يسجله في مسيرته كمراسل صحفي. هذا السلوك لم يكن له سابقة في تغطيته للأحداث الحربية، حيث تحدث التقرير عن ممارساته السابقة في غزة، ومنها تجواله بين المنازل والمدارس والمستشفيات المدمرة، مما يعكس رؤية استثنائية لأي صحفي يتعامل مع صراع مختلط بين الحربي والإعلامي. التريكي تشير إلى أن هذا التصرف ليس نادرًا في الإعلام الإسرائيلي، بل هو جزء من ثقافة تحرض على القتل، إذ أن بعض الصحفيين الإسرائيليين سبق لهم التعامل مع القنابل وكأنها أدوات للعرض، مما يضعهم في قفص اتهام بالتواطؤ مع الجرائم المرتكبة.
التناقضات بين السياسة الإسرائيلية والمعايير الإعلامية التي تتبناها ليست خفية. ففي الوقت الذي يشارك فيه صحفيو الاحتلال في عمليات الهدم، يُقتل الصحفيون الفلسطينيون، خاصة العاملون مع قناة الجزيرة، بتهم غير مبنية على أي أدلة. مما يجعل القادة الإسرائيليين ومن يتبناهم في الخارج يتغنون بنظامهم الديمقراطي المزعوم، وفي القلب منه حرية الصحافة. بينما تُطلق الاتهامات بلا هوادة ضد الإعلام الفلسطيني وتُسجَل العديد من حالات القتل والإصابات وسط العاملين في هذا القطاع.
التقرير يبرز أيضًا كيف أن الإعلام الإسرائيلي أصبح يميل أكثر نحو تأييد العمليات العسكرية، حيث يتم توجيه تهم جاهزة للصحفيين الذين يمارسون العمل في إطار توثيق الأحداث. إذ أن التوجهات العامة للصحافة الإسرائيلية تثير تساؤلات حول مدى التزامها بالقيم المهنية، وتحولها إلى أداة لتبرير العدوان. ويبدو أن الاحتلال الإسرائيلي ليس لديه تردد في اتخاذ إجراءات عنيفة ضد وسائل الإعلام التي تنقل روايته، مثلما حدث مع قناة الجزيرة ومراسليها.
في ختام التقرير، تستعرض التريكي الصمت الدولي المُخجل حيال الجرائم التي تُرتكب بحق الصحفيين في غزة ولبنان، مشيرة إلى أن المجتمع الدولي لم يُظهر رد فعل كافٍ ضد تصرفات كوشمارو ومن يشابهه. بينما تُهدم المنازل وتُحارب الروايات، فإن الغالبية العظمى من وسائل الإعلام تكتفي بالتجاهل، بل يمكن أن نجد مذيعين مثل كوشمارو يستضيفون في برامجهم وكأنهم أبطال. وهذا يعكس خللاً في منظومة القيم الإنسانية ويشير إلى أن الكثير من الجرائم محاطة بتواطؤ إعلامي وعدم محاسبة.
إن الوضع القائم يُظهر بوضوح ضرورة إعادة النظر في كيفية تعامل وسائل الإعلام مع النزاعات المسلحة. حيث أنه قد بات من المهم أن تُحتسب العواقب الإنسانية للصحافة العسكرية على كل من المراسلين والجمهور. لذا يحتاج العالم إلى استجابة فاعلة تجاه ما يحدث لضمان حماية حقوق الصحفيين والمساهمة في تحقيق العدالة والمساءلة في الصراعات المستمرة.