تعيش إسرائيل في حالة من الانقسام الداخلي في ظل استمرار حرب لبنان الثالثة، حيث تتزايد المخاوف من تدهور الوضع العسكري والإنساني. كان أكتوبر/تشرين الأول الماضي الأكثر دموية بالنسبة لإسرائيل منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، حيث سجلت الخسائر البشرية مقتل 88 جندياً ومدنياً إسرائيلياً في جبهتي غزة ولبنان. ووفقاً لتقارير “يديعوت أحرونوت”، فإن 37 من القتلى كانوا في معارك جنوب لبنان، مما يعكس تصاعد حدة القتال مع حزب الله، خاصة في ظل تجدد التوترات على الحدود. ومع استمرار الحرب وغياب الحسم السياسي أو العسكري، تبرز مخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد يقع في مستنقع طويل الأمد في لبنان، مع قدرة حزب الله على استعادة تنظيمه وقوته العسكرية.
يتفق المحللون العسكريون والسياسيون على أن الاستمرار في الحرب دون استراتيجيات واضحة لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع. تشير التقديرات إلى أن حزب الله يتجه نحو تصعيد التحديات الموجهة لإسرائيل، رغم الضغوط العسكرية والضربات القاسية التي يتعرض لها. وبدلاً من السير نحو حلاً سياسياً، تبدو حكومة بنيامين نتنياهو عازمة على تفويت الفرص للتهدئة، مما يزيد من المخاطر على الجبهة الشمالية. إن استمرار القتال سيزيد من الخسائر البشرية، مما يعمق الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي ويهدد بالإجماع الذي كان قائماً حول الحرب.
تتفاوت الآراء في المجتمع الإسرائيلي حول أهداف الحرب، حيث يدعو بعض الأصوات إلى ضرورة استغلال الإنجازات العسكرية من أجل التوجه نحو تسوية سياسية. ومع ذلك، تشعر فئات واسعة من المجتمع الإسرائيلي بعبء الخسائر البشرية، مما ينعكس بوضوح على دعمهم لاستمرار الخوض في صراع مستمر. فبينما يدعم عدد من اليهود في المعسكرات السياسية المختلفة الحرب، فإن هذه الأصوات لا تمثل الأغلبية الحاسمة، مما يدل على أن هناك مزيداً من التصدعات في الإجماع القومي حول استمرار الحرب.
يظهر الانتقاد الموجه لحكومة نتنياهو من شخصيات مثل رئيس أركان الجيش السابق شاؤول موفاز، الذي اتهم الحكومة بالاهتمام بتحقيق مصالح سياسية على حساب الأرواح البشرية، مشددًا على خطأ قرار إخلاء المدن الإسرائيلية الحدودية، مما شكل أزمة استراتيجية جديدة للمؤسسة العسكرية. ويؤكد موفاز أن الخسائر الحالية ليست سوى ثمن لمناورات السياسية الخاصة بنتنياهو، الذي يبدو أكثر اهتماماً بالحرب ذاتها، مما يعقد وضع الجنود ويقلل من فرص استعادة المقبوض عليهم.
في تحليلات أخرى، يناقش المحللون العسكريون حجم التحديات التي ستواجهها إسرائيل في المستقبل في حال استمرت في التقدم العسكري. يتخوف يوآف ليمور من العواقب الوخيمة التي ستتسبب بها الحرب من ناحية الخسائر البشرية، ويركز على ضرورة الوصول إلى تسوية سياسية تجنب الجيش الخوض في معركة مطولة قد تعرض سمعة إسرائيل الدولية للخطر وتزيد من معاناة السكان المحليين. كما يشير إلى أن إمكانية العودة إلى القتال في غزة ستظل قائمة مع انتهاء العمليات الحالية في لبنان.
على الجانب اللبناني، يبين المحلل جاكي حوكي أن حزب الله استعاد قدراته ويبدو مصمماً على الاستمرار في المعركة، مع تبني استراتيجية الدفاع المتعمد عن أراضيه ورفض تقديم تنازلات. يعكس ذلك بطء إمكانية الوصول لنهاية الحرب، حيث يرى حزب الله أنه حتى في حال خسارته مقاتلين، فإن القتال هو جزء من هويته. وعليه، فإن الفرصة لتحقيق تسوية سياسية يجب أن تُستغل، وإلا فإن المؤتمر الدولي المقبل قد يكون بمثابة استعادة لحزب الله لقوته وإصراره على القتال، مما يعني أن الصراع العسكري سيستمر لفترة أطول، مع عواقب وخيمة على جميع الأطراف المعنية.