في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأ حزب الله بإطلاق أولى صواريخه نحو إسرائيل، في إطار ما أطلق عليه “معركة الإسناد” لدعم جبهة غزة التي اشتعلت في السابع من الشهر ذاته. بعد مرور عام كامل على هذا التصعيد الحذر، تحولت المواجهة إلى نزاع شبه مفتوح، حيث يشهد الوضع العسكري تبادلاً للنيران بين الطرفين. لا يزال سكان شمال إسرائيل مترددين في العودة إلى منازلهم بسبب عدم الثقة في قدرة جيش الاحتلال على توفير الأمن لهم، حيث أظهر استطلاع رأي أن 70% من الذين تم إجلاؤهم لا يرغبون في العودة، حتى لو توقفت الحرب الآن.
دخلت إسرائيل معركة حزب الله بتطلعات عالية، سعياً لتدمير قدرات الحزب العسكرية وإخلاء المنطقة الحدودية من السكان. ومع تقدم الأحداث، تراجعت تلك الأهداف لتصبح أهداف نابضة تتعلق بعمليات اغتيال قيادية. ولذا تطرح التساؤلات حول الخسائر التي حصلت لإسرائيل جراء الحرب والتي قد تؤدي إلى هذا التراجع الملحوظ في أهدافها وأولوياتها. وعلى الرغم من أن تدمير القيادات العليا لحزب الله يعد كافياً لوقف الحرب بحسب تصريح رئيس الأركان هرتسي هاليفي، فإن الصورة المعقدة للمحور العسكري والسياسي تجعل من الصعب الحفاظ على تلك الأهداف.
تجسدت الخسائر الاستراتيجية لإسرائيل بشكل واضح في منطقة الجليل، المعروفة تاريخياً باستقرارها الأمني. بعد عام من القتال، أصبحت المناطق الشمالية موطن تهديدات أمنية، وأُجبرت الحكومة على إخلاء حوالي 28 مستوطنة من سكانها. كما تعرضت المنشآت العسكرية للمزيد من الاستهداف من قبل حزب الله، مما أثر سلباً على سمعة الجيش الإسرائيلي وأمنه. وقد ارتكزت هذه الخسائر على مبادئ الحرب التقليدية التي اعتادتها إسرائيل، لكنها الآن تواجه تحديات تتعلق بصمود العقيدة القتالية.
عسكريًا، تُظهر الأرقام الناتجة عن شهر من العمليات العسكرية في لبنان الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش الإسرائيلي، حيث فقدت الولايات المتحدة حوالي 95 جندياً، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 750 آخرين. هذه الأرقام قد لا تعكس الخسائر الحقيقية بسبب الرقابة العسكرية على البيانات، ولكنها تشير إلى مدى النزيف المستمر في الجبهة. في ظل هذا النزيف، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق تقدم ملموس على الحدود، وظهر تآكل في القوة العسكرية التي كانت تعتمد عليها لتحقيق أهدافها العسكرية.
اقتصاديًا، تكبدت إسرائيل خسائر فادحة بسبب توسع العمليات العسكرية على الجبهة الشمالية. ووفقاً لتقارير، فقد تجاوزت التكلفة نحو 9 مليارات دولار، مما يتطلب إعادة النظر في الميزانية العامة للبلاد. وتعتمد هذه الميزانية على اقتصاد منطقة الشمال الحيوية، وخاصة مدينة حيفا، التي أصبحت واقعة تحت التهديدات. بلغة الأرقام، تعاني القطاعات التجارية والسياحية من التهاب حاد في حجم الخسائر، مما يعكس تأثير الحرب المستمر على الاقتصاد الإسرائيلي.
في الجانب الزراعي، تضررت أيضًا منطقة الجليل بشكل فادح، حيث أدت المخاوف من هجمات حزب الله إلى إعاقة وصول المزارعين إلى بساتينهم. كما يعاني القطاع الزراعي من نقص حاد في اليد العاملة بلغت نسبته 90%. هذه المشاكل لا تمثل خسائر مالية فحسب، بل تتعداها لتؤثر على الترابط الاجتماعي والاقتصادي للمزارعين، وقد تؤدي في المدى الطويل إلى تآكل الروابط بين السكان والأرض، مما يُضاعف التحديات التي تواجه المجتمع في تلك المناطق.
يتضمن الصراع المستمر مع حزب الله مجموعة من الأبعاد المعقدة، بما في ذلك مسألة التهجير التي طالت حوالي 100 ألف شخص من سكان الجنوب اللبناني. هذه العمليات لا تأتي بشكل عشوائي، بل تهدف لاستهداف مناطق تجمع الحزب وتحقيق ضغط نفسي على مقاتليه. في النهاية، تبقى الآثار العسكرية والاقتصادية والاجتماعية لهذا النزاع تطرح تساؤلات حول الأفق السياسي والاتفاقات المحتملة، وسط ضبابية الحالة النفسية لدى كل من المجتمعين في لبنان وإسرائيل.