واشنطن ـ تباينت ردود الأفعال الأميركية حيال الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير أهل قطاع غزة بين من يعتبرها جهلا من ترامب بتعقيدات وتفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي، ومن يراها أفكارا حاسمة لحل الصراع.

وشدد خبراء أميركيون على أن ترامب بالغ بشدة فيما يمكنه القيام به فيما يتعلق بالقطاع بتبسيطه التدخل بهذا الشكل لحل الأزمة الراهنة، في وقت يرى فيه فريق من داعمي إسرائيل أن خطة ترامب تتجنب أخطاء الماضي، إلا أن الأغلبية العظمى من الخبراء والمعلقين شككوا بشدة في إمكانية تطبيق أفكاره على أرض الواقع.

وكان ترامب قد طالب الأردن ومصر باستقبال أهل قطاع غزة مع الإعلان عن رغبته في السيطرة على القطاع وتهجير أكثر من مليونين من سكانه.

وخلال لقائه الملك الأردني عبد الله الثاني في البيت الأبيض أمس الثلاثاء، أكد ترامب أن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وتديره بكفاءة ومهارة.

زعزعة الشرق الأوسط

وفي مشاركة له في موقع المجلس الأطلسي، كتب جوناثان بانيكوف مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس والمسؤول السابق في مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي، أن “الخطة التي أعلنها ترامب غير متوقعة، ويرجع ذلك إلى أنه لا يفهم تماما، أو ربما لا يهتم، بتاريخ المنطقة، وتعقيدات العلاقات الفلسطينية الداخلية، والعلاقة العاطفية التي تربط معظم الناس بأوطانهم، والتداعيات المحتملة على حلفاء الولايات المتحدة”.

وفي المقابل، قال توماس واريك نائب مساعد الوزير السابق لسياسة مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي إن من ينتقدون خطة ترامب لتهجير مليوني شخص من سكان غزة يسيئون فهم نظرة ترامب إلى القطاع.

وأضاف أن ترامب بكونه مطورا عقاريا منذ مدة طويلة أدرك مؤخرا مدى الدمار الذي لحق بغزة، وأنه محق في أن إعادة بناء قطاع غزة ستستغرق على الأرجح أكثر من عقد من الزمان، وأن الطريقة الوحيدة لإعادة بناء القطاع في هذا الوقت الزمني هي ألا تلعب حماس دورا في حكمه في المستقبل.

وتابع واريك أن الحكومات العربية لن تتبرع بالمليارات لإعادة إعمار قطاع غزة ثم تتحول إلى أنقاض مرة أخرى إذا تجدد الصراع في غضون 3 أو 4 سنوات.

لن يغادروا

وأشار نائب مساعد الوزير السابق لسياسة مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي إلى أن ترامب بوصفه مطورا عقاريا معتاد على شراء وبيع العقارات، ولا يفهم عمق ارتباط سكان غزة بالأرض وعدم رغبتهم المطلقة في التنازل عن ممتلكاتهم بعد ما حدث للكثيرين منهم في عام 1948، “سكان غزة ظلوا صامدين ولن يغادروها أبدا”.

وبدروه، قال أليكس بليتساس الرئيس السابق لمشروع مكافحة الإرهاب التابع للمجلس الأطلسي والمسؤول السابق للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب في مكتب وزير الدفاع، في مشاركة له بموقع المجلس الأطلسي إن “واقع امتلاك غزة سيحمل معه تكاليف ومخاطر كبيرة بما في ذلك خطر المقاومة المسلحة”.

وأضاف بليتساس أن أفكار ترامب “ستتطلب التزاما طويل الأجل، مع تقديرات تصل إلى 15 عاما لإعادة الإعمار الكاملة، ولا يزال السؤال حول من سيدفع ثمن هذا المسعى الهائل دون إجابة. ونظرا للتكلفة الهائلة والحساسية السياسية للمنطقة، فمن غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدفع الفاتورة بالكامل أو ما إذا كان هناك شركاء دوليون معنيون” بالأمر.

الجنون المطلق

في الوقت ذاته، عبّر الكثير من الخبراء عن رفضهم الصارم لفكرة استيلاء الولايات المتحدة على الأراضي الفلسطينية لأنها تنطوي على جرائم حرب أميركية، وترحيل قسري وتواطؤ في الإبادة الجماعية، وفوضى إقليمية مطلقة.

وكتب الخبير بمجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك في مجلة فورين بوليسي يقول إن “أحد الامتيازات الخاصة لكونك رئيسا للولايات المتحدة هو أن الناس يجب أن يأخذوا ما تقوله على محمل الجد بغض النظر عن سخفه، وهكذا هو الحال مع اقتراح ترامب بأن تسهل واشنطن التطهير العرقي لقطاع غزة، وعندما يتم إنجاز هذه المهمة تتملك المنطقة”.

وأضاف كوك أن “الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين يحتاج إلى أفكار جديدة، وغزة على وجه الخصوص على رأس المشاكل الصعبة للغاية، لكن اقتراح ترامب ليس فقط مفلسا أخلاقيا، بل إنه جنون محض”.

من ناحية أخرى، اعتبر كوك أن “إخراج مليوني فلسطيني من غزة وتولي ملكية المنطقة سينهي أي فرصة للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، ويكسر اتفاقيات أبراهام التي تعد الإنجاز الأول لترامب في السياسة الخارجية، كما يقوض معاهدات السلام بين مصر والأردن وبين إسرائيل، والتي تعد ركائز سياسة الولايات المتحدة في المنطقة”.

صمود على الأرض

من جهته، يرى ناتان ساكس الخبير بمعهد بروكينغر أن أول شيء يجب قوله عن اقتراح الرئيس ترامب بشأن غزة هو إن الترحيل القسري لمليوني شخص أمر غير أخلاقي وغير قانوني.

وأشار ساكس إلى أن الخطة تتجاهل الدوافع الأساسية للسياسة الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني “مدفوع للغاية بقضيته الوطنية كما يتضح من كل بذله من أجل قضيته بشكل فردي على مدى عقود عديدة”، مضيفا أن “الصمود على الأرض في مواجهة الشدائد هو قيمة فلسطينية تأسيسية منذ عام 1948 ولا تزال حية في أذهان الناس. المعارضة السياسية الفلسطينية للخطة كانت وستظل شديدة”.

أما الخبيرة بمركز الأمن الأميركي الجديد “سي إن إيه إس” (CNAS) راشيل زيمبا، فاعتبرت أن طرح ترامب سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة المدمر “لا يمثل أي منطق”.

وقالت زيمبا، في حديث مع شبكة بلومبيرغ، إن “الوضع صعب جدا وشديد التعقيد، أرى ما قاله ترامب في إطار تحركاته التوسعية، انظر إلى ما يقوله عن كندا وغرينلاند وبنما، ترامب يدعي أنه يريد السلام وتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، لكنه يدفع مليوني مواطن إلى خارج أراضيهم، الموضوع أصعب مما يتصوره”.

ويتساءل خبراء: هل الفلسطينيون مستعدون لمغادرة قطاع غزة طوعا أم سيتم نقلهم قسرا؟ مشددين على أن الخدمات اللوجيستية لخطة ترامب غير واضحة، وأنه يمكن النظر إلى فكرة ترامب على أنها تكتيك تفاوضي مثلما يفعل في الصفقات التجارية.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.