في حوار مؤخر، أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجدل بتصريحاته التي دعت إلى وقف تسليم الأسلحة لإسرائيل ودعم الحل السياسي، مستهدفا النزاع المستمر في غزة. وكان الرد الفوري من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي أدان تصريحات ماكرون واعتبر أنه ينبغي على الدول المتحضرة دعم إسرائيل في محاربة ما وصفه بالهمجية، مشيرا إلى أن مطالبة ماكرون بفرض حظر على الأسلحة ضد إسرائيل هو أمر مخزٍ. تثير هذا التصعيد مخاوف لدى إسرائيل من تأثير مشترك محتمل لدول أخرى في أوروبا تدعو إلى تقليص الدعم العسكري لها.
ماكرون، رغم دعواته لوقف التصعيد، لا يزال يوجد فيها غموض بشأن موقف فرنسا من الحرب المستمرة في غزة، وقد تعبيراته تعكس قلقه العميق حول الوضع في لبنان، مشيرا إلى ضرورة تجنب تحول لبنان إلى ساحة قتال مشابهة لغزة. وفسرت الناشطة الفرنسية الفلسطينية ريما حسن توجه ماكرون كدليل على تقارب تاريخي بين فرنسا ولبنان، والذي يُعتقد أنه يتجاوز القرابة مع القضية الفلسطينية. وأكدت حسن أن التزام الدول الأوروبية، بما فيها فرنسا، بتسليم الأسلحة لإسرائيل يعد انحرافاً عن حقوق الإنسان، وأن الدعوات الحالية من قبل الحركات الطلابية للمقاطعة ما تزال بلا نتائج ملموسة.
من جهة أخرى، يصف المستشار السابق للسياسة الخارجية الفرنسية، مناف كيلاني، الدعم الفرنسي لإسرائيل بأنه مستمر ومتعدد الأوجه، فقد تم إرسال سفن حربية فرنسية إلى المنطقة رغم أن هذا النوع من اتخاذ القرار يُعتبر من اختصاص السلطة التنفيذية. ويظهر التناقض بين حديث ماكرون عن أهمية إنهاء الحرب ودعواته للحفاظ على أمن إسرائيل، مما يزيد من تساؤلات حول مدى مصداقية فرنسا في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط.
يتنامى الشك في مصداقية ماكرون بعد أحدث تصريحاته في نوفمبر، حيث دعا إلى إيقاف القصف على المدنيين في غزة. إصرار فرنسا على الربط بين حماس والحرب ضد الإرهاب يعكس في نظر البعض انحيازا للموقف الإسرائيلي، وقد تم انتقاد هذا الربط للقدرة على خلق توازن بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب. ومع ذلك، هناك شعور متزايد بأن الممانعة في تطوير سياسة خارجية مشتركة لأوروبا تعرقل الجهود الرامية لحل النزاع.
تعد فرنسا، في ظل الحماية السياسية والعسكرية الأمريكية لإسرائيل، في وضع هامشي على مستوى التأثير في السياسات الشرق أوسطية. يُعزى ذلك إلى عدم وجود توجّه موحد أو سياسة خارجية أوروبية مشتركة قد تعزز موقف فرنسا في تلك القضية. وبالفعل، يعاني الاتحاد الأوروبي من انقسام واضح في المواقف بين الدول الأعضاء، مما يؤثر سلبًا على الجهود الدبلوماسية الفرنسية ويضعف من دورها.
على الرغم من الجهود الدبلوماسية الحالية، يُظهر كيلاني أن فرنسا لم تستطع إحراز تقدم ملحوظ في الملف الفلسطيني، حيث تتبع سياسة استرضاء تدفع الفلسطينيين نحو التنازلات العديدة، مما يجعلهم يبتعدون عن حقوقهم التاريخية. ومع استمرار الاحتلال وتوسع المستوطنات، يبدو أن الأنظمة الحالية في فرنسا لم تتعامل مع الجوانب الجوهرية التي تتعلق بحل النزاع بشكل فعال. وبما أن العقيدة الفرنسية تبقى دون تغيير، فمن الواضح أن الطريق أمام حل سلمي وشامل لا يزال طويلاً وشاقًا.