تشهد مدينة منبج السورية منذ بداية العام الدراسي الجديد موجة من المظاهرات والحركة الاحتجاجية ضد المناهج التعليمية التي فرضتها “الإدارة الذاتية” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد). هذه الاحتجاجات التي تعدّ حاشدة، شارك فيها طلاب المدارس وأبناء المنطقة، تأتي في سياق مقاومة لتوجهات المناهج التي تحتوي على أيديولوجية “قسد” وتقدّم شخصياتهم وأفكار قائدهم عبد الله أوجلان. إذ تزامن توزيع الكتب الجديدة على الطلاب في المدينة وفي ريفها مع بدء العام الدراسي، مما فجر حالة من الغضب والرفض. وفي أحد الفيديوهات، ظهر الطلاب وهم يعبرون عن اعتراضهم، حيث قاموا بتمزيق الكتب الجديدة بذريعة العودة إلى المنهاج القديم الذي كان يتبع للنظام السوري.

تاريخياً، كانت منبج مركز فعال للاحتجاجات ضد السلطات القائمة، سواء أثناء فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية أو لاحقاً تحت حكم “قسد”. الناشط يونس العيسى يوضح أن الأسباب التي جعلت منبج تختص بهذه المظاهرات ترجع إلى أنها كانت نقطة الانطلاق لتوزيع المناهج الجديدة التي شملت سابقاً مناطق شرق نهر الفرات فقط. ومع استمرار الضغط الأمني في مناطق دير الزور والحسكة، كانت منبج الأكثر نشاطاً في مواجهتها سياسات الإدارة الذاتية. بالإضافة إلى ذلك، واجهت “قسد” تلك المظاهرات بمحاولة إسكاتها عبر اعتقالات تعسفية طالت ما يقارب الخمسين شخصاً، مما يسجل تصاعداً حاداً في الموقف.

كما أن حرص “قسد” على إنجاح مشروعها التعليمي، تزامن مع ضغطها على الأهالي لعودة أطفالهم إلى المدارس من خلال مسائل تتعلق بتوزيع المستلزمات الأساسية مثل الخبز والمحروقات، لكن الأهالي أصروا على مواصلة الإضراب الأمر الذي يعكس تمسكهم بحقوقهم. وقد فشلت أيضاً محاولات “قسد” لاحتواء الموقف عبر مشايخ عشائر المنطقة، مما يزيد من التعقيدات الأمنية والاجتماعية.

وفيما يتعلق بالمنهاج الجديد، يُظهر الباحث بسام السليمان أن التعليم في منبج يدار حالياً من قبل النظام السوري و”الإدارة الذاتية”، مما يخلق تعارضاً متواصلاً. إذ أُدخلت تغييرات ملحوظة في المنهاج الدراسي تهدف إلى تعزيز الثقافة السياسية لـ “قسد” وتضمين مفاهيم جديدة تشمل مادة الجغرافيا التي تروج لإقليم “روج آفا”، وكذلك تغييرات في التاريخ لتحقيق أهداف قومية معينة. نفس الأمر ينطبق على المواد الإسلامية التي تتبنى مقاربة فلسفية جديدة.

الحراك الشعبي في منبج لم يتوقف عند الاحتجاجات، بل تطور إلى إضراب عن العمل الدراسي والاعتصامات. وكان من أبرز الأنشطة في المدينة الخروج في مظاهرات جماهيرية للتأكيد على رفض المناهج الجديدة ولإعادة العمل بالمناهج القديمة. هذا الانتصار على البيروقراطية التعليمية والسياسية تعكس ردة فعل قوية من قبل الأهالي والطُلاب، الذين مطالبهم في البداية كانت تقتصر على العودة إلى المناهج القديمة، لكنها سرعان ما شملت قضايا أخرى تتعلق بالضرائب والسياسات الاقتصادية.

بالرغم من أن النظام السوري لم يظهر موقفاً رسمياً حيال تلك الأحداث، إلا أنه حاول الاستفادة من الوضع عبر العودة إلى الكتب الدراسية القديمة. ومع ذلك، واجهت هذه المحاولات من قِبَل “قسد” بالرفض، حيث تم منع دخول الشحنة الجديدة من الكتب إلى منبج، مما يزيد من تعقيد الأمور ويُظهر تزايد حالة الاستقطاب بين الفصائل المسلحة والسلطات المحلية في شمال سوريا.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.