واجه سكان شمال قطاع غزة خيارين قاسيين أمام الهجمات الإسرائيلية، إما النزوح جنوبًا أو الموت تحت القصف. كثيرون اعتقدوا أن النزوح هو سبيل للنجاة، لكنهم أدركوا سريعًا أن الخيارات المتاحة أمامهم، سواء كانت قربًا من مدينتهم أو بعدها، تنتهي جميعها بمصير مأساوي. شهادات النازحين التي تم تناقلها عبر وسائل الإعلام تشير إلى أن خيار الخروج كان أسوأ قرار اتخذوه، حيث تحول الشوق إلى العودة إلى ديارهم إلى طموح مُحبط يُثقل قلوبهم بالألم.

عنان، أحد النازحين، يتحدث عن لحظاته الأخيرة في منزله قبل النزوح، ويصف كيف استمر الظلام بعد مغادرته. ترك خلفه منزله في حي الرمال، آملاً في العودة بعد أيام، لكن واقع النزوح قاده إلى خوف وجوع، وواجه صراخ مَن فقدوا أحباءهم في عمليات القصف المستمرة. يُظهر حديثه حجم البؤس الذي تعيشه الأسر النازحة، وكأنهم أصبحوا ضحايا مؤامرة قاسية تجسد الألم المستمر الذي يعانونه.

بعد مرور عام من النزوح، لا يزال عنان ينتظر بفارغ الصبر أن تُفتح الحواجز بين شطري القطاع ليعود إلى منزله. يُعبّر عن مشاعره الحزينة بلهفة الحنين إلى تفاصيل حياته الطبيعية، ويعتبر أن صموده داخل غزة هو وسام شرف يعتز به. وحلمه بأن تنتهي الحرب وينجح في إعادة إعمار حياته والمساهمة في بناء مجتمعه يُبرز إرادة الحياة لدى سكان غزة رغم كل التحديات.

قصة شكري فلفل تعكس تجربة مختلفة للنزوح، حيث أُجبر على مغادرة منزله في حي النصر بعد تلقيه تهديدات بقصف منزله. اعتبر أن الابتعاد عن غزة هو جرح عميق، ويعاني من مشاعر الذنب والهلع نتيجة ترك مكان يعتبره “جنة”. ومع هذا، فإنه لا يخطط لمواصلة حياته خارج غزة، بل يرغب في العودة إلى بيته، حيث يسعى لاستئناف دراسته.

أما أسماء، فقصتها تعدّ من التجارب المؤلمة، حيث خرجت من غزة مع ابنتيها بعد استهداف منزلها، وخسارتها لأفراد من عائلتها. تحملت مشقة السفر بحثًا عن علاج، ورغم الاستقرار الظاهري في الدوحة، فإنها ترفض الاستسلام للواقع الجديد وتعتبره مؤقتًا. تحمل في قلبها حنينًا عميقًا لبيتِها وحياتها في غزة، حيث كانت تشعر بالأمان والاستقرار بين عائلتها.

تُظهر جميع هذه الشهادات كيف أن الحرب لم تؤثر فقط على الأماكن المادية، بل تركت آثارًا عميقة في نفوس الناس. يتوق النازحون للعودة إلى غزة، حيث يشعرون بسحرها وراحة العيش فيها، رغم كل التحديات. إن الأمل في العودة وإعادة إعمار ما دُمر يبقى دافعًا قويًا، مما يعكس قوة الإرادة والصمود لدى سكان غزة، في محاولتهم لبداية جديدة في وجه الأزمات.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.