هيمنت التوترات في بحر جنوب الصين على فعاليات سلسلة قمم رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي انعقدت في فننتيان، عاصمة لاوس، وانتهت يوم الجمعة. وقد أظهرت هذه القمة أهمية دور آسيان كمنظمة إقليمية في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة تتزايد فيها المنافسة على المصالح والمشاريع الاستراتيجية بين القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة والصين. جاءت القمة في ظل ظروف حساسة، حيث تفصلنا شهر عن الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتزامنت مع مرور عام على الصراع الإسرائيلي في غزة الذي توسع ليشمل الضفة الغربية ولبنان، وكذلك مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتوتير العلاقة بين الصين والولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا، وهذه القضايا لم تفارق محادثات القمة.

في البيان الختامي، دعمت الدول الأعضاء الالتزام بمعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وسط مخاوف بعض الدول من التوترات الناجمة عن النزاعات في بحر جنوب الصين. تجدر الإشارة إلى مشاهدات المواقف المتبادلة بين الفلبين والصين، حيث شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في الحوادث المقلقة، بينما تشير اللقاءات الأخيرة بين وزيري خارجية بكين وواشنطن إلى بعض محاولات تهدئة الأوضاع. وبدا أن القمة أعادت تسليط الضوء على قضايا التعاون الإقليمي، فيما يسعى الأعضاء للحفاظ على السلام والاستقرار في مواجهة التحديات العالمية المتزايدة.

استمع قادة شرق آسيا لمواقف الدول الكبرى، حيث انتقد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الحرب الروسية في أوكرانيا، معتبرًا أنها تخالف المبادئ المتفق عليها بين دول آسيان. كما حذر من “سلوكيات الصين الخطيرة وغير القانونية” في بحر جنوب الصين، التي تتسبب في أضرار للأصول البحرية للدول الأعضاء. بينما كانت ردود الفعل الروسية انتقادية، حيث انتقد وزير الخارجية سيرغي لافروف السياسات الأميركية في شرق آسيا ووصفها بـ “المدمرة”، متهمًا الولايات المتحدة بالمساهمة في عسكرة اليابان ودفع الدول الأخرى لمعارضة الصين وروسيا.

تم تسليط الضوء على أن التطورات الجارية في أوكرانيا وفلسطين منحت الحرب في تلك المناطق اهتماماً أكبر لواشنطن، مما سمح للصين بتعزيز نفوذها في جنوب شرق آسيا. ولقد كتب تقرير لموقع بوليتيكو يبرز إعادة ترتيب الأولويات من قبل الولايات المتحدة، حيث أدى ذلك إلى إرباك حلفاءها في التفاعل مع التحديات الصينية، وهذا يتضح من تراجع الدعم الأميركي في المنطقة، كما أظهر استطلاع مراكز الدراسات في سنغافورة نموًّا في المواقف المؤيدة للصين بين النخب في دول آسيان.

التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول آسيان بلغ 395.9 مليار دولار في العام الماضي، مما جعل الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك للتجارة بعد الصين. لكن الدول الأعضاء في آسيان نجحت في تجاوز الصين من حيث جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لأول مرة بعد عقد من الزمن، حيث جذبت 206 مليارات دولار أميركي، في حين حققت الصين 43 مليار دولار فقط خلال العام الماضي. وتمكنت آسيان من تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ، حيث انتقلت من كونها سابع أكبر اقتصاد في العالم إلى خامس أكبر منطقة اقتصادية عالمياً.

وعلى صعيد القضايا الإنسانية، كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في قمة آسيان، حيث دعا نائب الرئيس الإندونيسي إلى اعتراف دول شرق آسيا بالدولة الفلسطينية مؤكدًا على ضرورة احترام القانون الدولي من قبل الجميع. كما عبر عن قلقه حيال الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة والجوانب الأخرى القاتمة من الصراع. وفي مداخلة مشابهة، لم تتهاون الفلبين، حليفة الولايات المتحدة، عن الإعراب عن قلقها إزاء الوضع المتدهور في غزة، مما يعكس تزايد الانتباه الدولي لأهمية القضية الفلسطينية في أجندة القمة.

تظهر النتائج والمناقشات من قمة آسيان أن منطقة جنوب شرق آسيا تواجه مرحلة حساسة ومعقدة من العمل الجماعي، مع سعي الأعضاء إلى الحفاظ على توازن العلاقات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، بينما يستجيبون لفهم احتياجات الخطط الإقليمية، مجسدين صوتًا موحدًا حيال القضايا الإنسانية، ما يدل على أهمية التعاون الإقليمي والالتزام بسياسات السلام لمواجهة التحديات المشتركة.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version