دمشق- بدأ فلول النظام المخلوع تحركات عسكرية منظمة في الساحل السوري، نفذوا من خلالها عمليات قتل وتصفيات ميدانية بحق عناصر من الشرطة وقوات الأمن الداخلي ومدنيين، بالإضافة إلى أسر عشرات العناصر في مناطق جبلة واللاذقية وطرطوس وبانياس وغيرها من قرى وبلدات الساحل.

وبعد ساعات من انطلاق عمليتهم، فرضوا سيطرتهم على عدد من المناطق العسكرية الإستراتيجية مثل قيادة الكلية البحرية ومطار إسطامو والقطعة العسكرية في قمة النبي يونس، كما انتشروا على الجسور والطرق التي تربط باقي المحافظات مع الساحل السوري الذي أصبح تقريبا “خارج سلطة الدولة”.

وقبل ساعات من بداية الهجوم، أُعلن فجأة عن تشكيل “المجلس العسكري لتحرير سوريا” بقيادة اللواء الركن غياث سليمان دلا الضابط السابق في النظام المخلوع وقائد أركان الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، وأعلن عن أهدافه التي منها “تحرير كامل التراب السوري وإسقاط النظام الحالي”، ودعا السوريين للانضمام إلى صفوفه وناشد المجتمع الدولي لدعمه.

في هذه المادة، تقف الجزيرة نت على حقيقة التطورات الأمنية والعسكرية في الساحل السوري والأطراف التي تقف خلفها.

المزيد من المعطيات بدأت تتكشف.. ما حقيقة ما جرى ليل الثامن من مارس في سوريا؟

كيف بدأت الأحداث بالساحل السوري؟

في ليلة الخميس 6 مارس/آذار الجاري، بدأت القوات التي أطلقت على نفسها درع الساحل وفلول النظام، بشكل منظم وبوقت واحد في مناطق عدة من الساحل السوري، استهداف عناصر من الشرطة وقوات الأمن الداخلي والعناصر التابعين لوزارة الدفاع، كما طال الاستهداف أي مدني يقود سيارة تحمل رقم “إدلب”.

قتلت هذه القوات مع بداية العملية نحو 75 عنصرا من قوى الأمن الداخلي وعناصر الشرطة ومدنيين، وأسرت قرابة 200 عنصر وأصيب العشرات من قوات الدولة السورية والمدنيين بينهم صحفي.

سيطرت عناصرها على معظم الساحل السوري ومواقعه الإستراتيجية والعسكرية ووصلت إلى قاعدة حميميم ومطار اسطامو والكلية البحرية واللواء 107، بالإضافة للجسور والمداخل والمخارج المؤدية إلى مدن الساحل، وانتشرت على طريق “إم 4” (M4) لقطع الطريق على القادمين من مناطق إدلب.

كيف امتصت الحكومة السورية الصدمة؟

امتصت الحكومة السورية الهجوم المنظم من قبل فلول النظام السابق، وبدأت عملية استعادة المواقع التي سيطروا عليها من قبل وحدات الأمن الداخلي وبمساندة وزارة الدفاع في مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة.

وبعد ساعات دخلت القوات الحكومية إلى مدينتي اللاذقية وطرطوس ومن ثم انتقلت إلى بانياس وجبلة. وبعد فرض السيطرة عليهما وتطويق الفلول، انتقلت إلى القرداحة واستطاعت تطهير المدن منها وفرض سيطرتها عليها.

وقال العقيد حسن عبد الغني الناطق باسم وزارة الدفاع -في تصريح نشر على مواقع التواصل- إن قوات الوزارة حققت تقدما ميدانيا سريعا وأعادت فرض السيطرة على المناطق التي شهدت هجمات “غادرة” ضد قوات الأمن الداخلي، “من خلال عمليات تطويق محكمة أدت لتضيق الخناق على فلول النظام البائد، وتتابع قواتنا تقدمها وفق الخطط العملياتية المعتمدة للتعامل مع ما تبقى من بؤر للمجرمين”.

من يقف وراء الفلول داخليا وخارجيا؟

بالوقت الذي أعلن فيه اللواء غياث دلا عن المجلس العسكري وبدأ العمليات العسكرية ضد الحكومة السورية، “سارع الإعلام الإيراني إلى وصف فلول الأسد بـ “المقاومة” وقوات الأمن والحكومة بـ”عناصر الجولاني”، فيما ذكرت مصادر أن التمرد الذي قاده دلا مدعوم من قبل قوات إيرانية ولبنانية بالإضافة إلى تسهيلات لوجستية من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وقال مقداد فتيحة، وهو أحد أبرز الوجوه التي تقود مجموعات الفلول المسلحة، في تسجيل صوتي نُسب له، إن “عملهم والقتال، الذي بدأ لتحرير الساحل السوري هو بدعم روسي”.

وبعد ساعات من فشل الهجوم العسكري، قالت موسكو إنها “لن تتدخل وإنما تراقب الأوضاع من بعيد”، في الوقت الذي فتحت فيه أبواب قاعدة حميميم لاستقبال عناصر من فلول النظام السابق وعوائلهم الهاربين من مطاردة الحكومة السورية.

وأضاف فتيحة أن “الكرملين وافق على دعمهم عسكريا جوا وبرا، وإذا استطاعوا الصمود خلال 24 ساعة سوف يحصلون على اعتراف ودعم دولي”.

هل الهدف هو تقسيم سوريا؟

ذكرت مصادر أن المخطط الذي بدأ به اللواء دلا هو بالتنسيق مع بعض القوات المنتشرة في السويداء جنوبي سوريا (الدروز) وقوات سوريا الديمقراطية، على أن تعلن كل هذه القوات انفصالها بعد طرد القوات الحكومية من الساحل لتصبح أقاليم خارج الدولة السورية.

وهذا ما أكده الرئيس أحمد الشرع -في تصريحه- “أن لا سلاح خراج الدولة”، في إشارة إلى عدم السماح بتقسيم البلاد واقتطاع أقاليم كدويلات في غرب وجنوب وشرق سوريا.

وقال الشرع “لقد سعى بعض فلول النظام الساقط إلى اختبار سوريا الجديدة التي يجهلونها، وهاهم اليوم يتعرفون عليها من جديد، فيرونها واحدة موحدة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، سنستمر في حصر السلاح بيد الدولة ولن يبقى سلاح منفلت في سوريا”.

ما تداعيات أحداث الساحل السوري على أداء الحكومة المؤقتة؟

في ظل التحديات التي تواجهها الحكومة السورية المؤقتة من وضع اقتصادي منهار وتدمير الترسانة العسكرية جراء الحرب على مدى 14 عاما وتدمير الكثير من المواقع بالقصف الإسرائيلي، تحاول القيادة الجديدة التماسك والمُضي في تثبيت حكمها وبناء العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول العربية والإقليمية، وإزالة العقوبات.

وقال قائد مجموعة في وزارة الدفاع -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت إن حركة العصيان والتمرد من قبل فلول النظام السابق جاءت بعد فقدهم سلطتهم التي كانوا يمارسونها على الشعب السوري بالسرقات وفرض الإتاوات في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها ويهجرون سكانها.

وأضاف أن هؤلاء يعملون كمرتزقة هدفهم إثارة الفوضى من خلال عملياتهم التي كانت فردية بقتل عناصر من الأمن أو الشرطة أو وزارة الدفاع، و”لكن هذه المرة كانت عمليتهم منظمة ومدعومة من قبل الرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر وروسيا”.

كيف أنهت الحكومة المؤقتة الهجوم؟

بعد الساعات الأولى من إعلان الهجوم وقتل نحو 200 شخص وأسر قرابة 250 شخصا من عناصر شرطة وأمن ومدنيين وصحفيين، أرفدت وزارة الداخلية قواتها إلى الساحل السوري وساندتها وزارة الدفاع بالقوات العسكرية لإنهاء التمرد والعصيان.

وبعد مرور حوالي 24 ساعة، أعلنت الحكومة عن فرض سيطرتها الأمنية على مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس وتأمين حماية المدنيين والانتقال لملاحقة الفلول الهاربين إلى الجبال.

كما لاحقت واعتقلت عددا من المسلحين غير المنظمين إلى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع الذين ارتكبوا تجاوزات بحق المدنيين في الساحل السوري خلال الهجوم وقدمتهم للقضاء، بالوقت الذي صادرت فيه كميات كبيرة من ممتلكات المواطنين التي سُرقت وأعادتها لأصحابها.

مواطن من إدلب شارك بعملية الساحل السوري إلى جانب قوات الأمن لتحرير ابنه الأسير في جبلة (مواقع التواصل)

ما التجاوزات بحق المدنيين في الساحل السوري؟

شهدت العملية الأمنية في الساحل تجاوزات من خلال قتل مدنيين وعمليات سرقة من قبل عناصر مسلحة قالت الحكومة “إنها غير منتمية لوزارة الدفاع”، إلى جانب استغلال الفلول هذه الفرصة وتنفيذهم عمليات باسم الأمن العام الداخلي والوزارة.

من جانبه، قال محافظ اللاذقية محمد عثمان -في تصريح صحفي- إنهم سيقدمون كل الذين قاموا بتجاوزات -خلال العملية العسكرية- إلى محاكمات عادلة.

وأضاف أن التجاوزات التي حدثت جاءت من عناصر غير منتمية لوزارة الدفاع وتخللتها عمليات قتل، وأنهم أوقفوا لصوصا قاموا بسرقة ممتلكات خاصة خلال الأحداث الأخيرة، واعتقلوا أعدادا من المتورطين في الهجمات على قوات الأمن ويجري التحقيق معهم وفق القانون.

بدوره، صرح الناطق باسم وزارة الدفاع العقيد حسن عبد الغني بأنه “يُمنع الاقتراب من أي منزل أو التعرض لسكانه إلا وفق الأهداف المحددة”.

ماذا كان دور الحشود الشعبية خلال أحداث الساحل السوري؟

تداولت مواقع التواصل صورة لرجل شارك في هذه الحملة ضد الفلول وهو بلباسه الريفي “الكلابية والجزمة” بعد أن علم أن ابنه الذي يعمل كعنصر في الشرطة قد وقع في الأسر بعد اقتحام الفلول مركز الشرطة في مدينة جبلة، ليظهر بعد ساعات بصورة مع ابنه بعد تحريره.

وشهدت الكثير من المدن والبلدات في إدلب وريف حلب وحماة وحمص توجه جموع شعبية كبيرة إلى مناطق الساحل لمساندة قوات الأمن العام الداخلي ووزارة الدفاع.

ووجه الرئيس الشرع كلمة شكر للأهالي لوقوفهم إلى جانب الدولة، قائلا “يا أيها السوريون قد رأى العالم لهفتكم على بلدكم وحبكم لها وشعور الانتماء لها وهذا ما يليق بكم وبأصلكم، فبغير هذا الحب لا تُبنى الأوطان”.

بدوره، قال العقيد حسن عبد الغني “نوجه إلى أهلنا الكرام الذين هبوا لمؤازرة إخوانهم في الحكومة السورية دعوة بالعودة إلى مناطقهم، فالأوضاع أصبحت تحت السيطرة الكاملة والعمليات مستمرة فلا داعي للقلق”.

أما وزير الخارجية أسعد شيباني فأكد “ما جرى يوم أمس لا يمكن أن ينجح في دولة جيشها هو الشعب ذاته”.

ما الردود العربية والدولية على تمرد فلول النظام المخلوع؟

أعلنت عدد من الدول العربية -من خلال بيانات تضامن- عن وقوفها إلى جانب الحكومة السورية ودعمها حالة الاستقرار وفرض الأمان في سوريا، كالتالي:

  • أدانت دولة قطر بأشد العبارات “الجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون واستهدافها القوات الأمنية في الجمهورية العربية السورية”.
  • أدانت وزارة الخارجية السعودية “الجرائم التي تقوم بها مجموعات خارجة عن القانون في الجمهورية العربية السورية واستهدافها القوات الأمنية”.
  • أعلنت وزارة الخارجية الأردنية وقوفها مع الجمهورية العربية السورية وأمنها واستقرارها ووحدتها وسيادتها.
  • أعربت مصر عن قلقها إزاء التطورات في سوريا، وعن مواقفها الداعمة للدولة السورية ومؤسساتها الوطنية واستقرارها في مواجهة التحديات الأمنية.
  • أدانت الإمارات الهجمات التي تقوم بها المجموعات المسلحة وأكدت موقفها الثابت بدعم استقرار سوريا وسيادتها.
  • أعلن العراق عن “قلقه البالغ” من التطورات الأمنية ودعا إلى ضرورة حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات النزاع.
  • أعربت تركيا عن دعمها للحكومة السورية الانتقالية، مشددة على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار ومنع أي تصعيد قد يهدد مستقبل البلاد.

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version