مراسلو الجزيرة نت
12/4/2025–|آخر تحديث: 12/4/202502:58 م (توقيت مكة)
عمّان- “كنتُ أشعر بأن ابني غريب عن المدرسة. كانوا يطلبون مني أن أسجله بمركز خاص لعدم وجود حمام مناسب، ولا صف يقدر أن يلتحق به”، بهذه الكلمات يصف الأب الأردني أبو خالد تجربة ابنه الذي يعاني من إعاقة حركية.
ويضيف للجزيرة نت “اليوم، في مدرسة حكومية قريبة من بيتنا، ابني يدرس مع أقرانه، وهناك معلم يتابع حالته. رجعت له ثقته بنفسه”.
ويشدد أبو خالد على أن وجود بيئة دامجة يحدث فارقا كبيرا في حياة الطفل والأسرة، متمنيا أن “تخطو الجهات المعنية خطوات أكبر في سبيل الدمج ليس فقط على مستوى الأساسيات، إنما حتى على المستويات النفسية والوعي العام باحتياجات هذه الشريحة”.
خطة عشرية
في زوايا بعض المدارس الأردنية، قد تمر على كرسي متحرك مهمل، أو منحدر إسمنتي غير مكتمل، أو غرفة صف بلا أدوات تيسيرية ومعلمين مؤهلين، لتفهم حجم التحدي الذي يواجهه الأطفال ذوو الإعاقة في طريقهم نحو التعليم على مستوى الأساسيات.
لكن في تحول لافت وضمن خطة عمل عشرية، قررت الدولة أن تبادل جزءا من ديونها الخارجية بما يفتح أبواب المدارس أمام هؤلاء الأطفال ويمنحهم فرصة تعليم متكافئ.
في مايو/أيار الماضي، وقّع الأردن اتفاقا مع ألمانيا، أُعلن عنه على هامش القمة العالمية الثالثة للإعاقة في برلين، يقضي بمبادلة نحو 5 ملايين يورو من الديون الأردنية لصالح تحسين واقع التعليم الدامج في مدارس المملكة.
والاتفاق الذي جرى توقيعه بين وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية ووزارة التربية والتعليم الأردنية، يقوم على توظيف جزء من الديون الخارجية بطريقة مبتكرة لدعم مبادرات تنموية ذات أولوية، منها تهيئة المدارس لاستقبال الطلبة ذوي الإعاقة وتوفير البيئة اللازمة لتعليمهم ودمجهم.
ووفق المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يُقصد بالتعليم الدامج التحاق الأطفال ذوي الإعاقة بالمؤسسات التعليمية، ومشاركتهم الكاملة في العملية الصفية والتحصيل الأكاديمي، ضمن بيئة خالية من الحواجز المادية والسلوكية، توفر لهم متطلباتهم دون أي تمييز أو إقصاء.

عمل مشترك
توضح إيسار مزاهرة مديرة التعليم الدامج في المجلس أن هذا التعليم لا يعني فقط قبول الطلبة ذوي الإعاقة في المدارس، بل تمكينهم من الحضور والمشاركة والتحصيل ضمن بيئة خالية من العوائق، توفر لهم الدعم الأكاديمي والنفسي والاجتماعي اللازم.
وتضيف للجزيرة نت “هدفنا أن لا يشعر الطالب بأنه استثناء، بل جزء من النظام التعليمي. التحدي ليس فقط في تجهيز المنحدرات، بل في بناء عقلية تربوية وفكر مجتمعي يتقبل التنوع”.
وتؤكد مزاهرة أن المجلس يعمل -بالتعاون مع وزارة التربية- على تهيئة 250 مدرسة حكومية لتكون دامجة ضمن خطة شاملة تتضمن كذلك تدريب الكوادر وتوفير التجهيزات، مشيرة إلى أن عدد الطلبة ذوي الإعاقة الملتحقين حاليا بالتعليم يقارب من 29 ألفا.

من جهته، يقول الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم، محمود حياصات، للجزيرة نت إن هذه المبادرة تُجسد التزام الأردن بتوفير تعليم نوعي وشامل لجميع الطلبة، وتُعد خطوة عملية بهذا الاتجاه.
وأضاف حياصات “نعمل بالتعاون مع المجلس الأعلى والشركاء المحليين والدوليين على تنفيذ تدخلات ميدانية تضمن تحويل المدارس إلى بيئات دامجة، وتدريب المعلمين على إستراتيجيات التعليم الملائمة للإعاقات المختلفة”.
وأشار إلى أن الوزارة بدأت بالفعل تنفيذ برامج تدريبية للمعلمين بالتعاون مع المجلس الأعلى، وأنها تعمل على تحديث المناهج لتراعي الفروقات الفردية والاحتياجات الخاصة للطلبة. وتابع “لا نريد فقط دمج الطلاب، بل ضمان نجاحهم وتمكينهم. وهذا يتطلب تغييرات جذرية في بنية النظام التعليمي”.
محاور رئيسية
تستند هذه التحركات إلى الخطة الإستراتيجية العشرية (2020-2030) التي وضعتها وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع المجلس الأعلى، والتي تهدف إلى دمج الأطفال ذوي الإعاقة في النظام التعليمي الرسمي بنسبة تصل إلى 10% بحلول عام 2030.
وتغطي الخطة محاور رئيسية تشمل:
- مواءمة السياسات التعليمية.
- تهيئة الأبنية المدرسية.
- تطوير المناهج وإستراتيجيات التدريس.
- رفع كفاءة الكوادر التعليمية.
- إنشاء فرق دعم متعددة التخصصات.
- تقديم برامج تعليمية دامجة في الطفولة المبكرة.
- دعم البحث العلمي.
- إنشاء قواعد بيانات وطنية.
وتؤكد مزاهرة أن هذه الخطة “هي البوصلة، التي تضمن استدامة العمل، واستجابة التعليم لحاجات كل طفل، لا على الورق فقط، بل على أرض الواقع”.
يُشار إلى أن قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن لعام 2017 ينص على “دمج الأشخاص ذوي الإعاقة وقبولهم في شتى مناحي الحياة، باعتبارهم جزءا من طبيعة التنوع البشري”.