في ضوء التطورات السياسية التي شهدها السودان، أجرى رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، تعديلاً وزارياً محدوداً بعد أكثر من أربعة أشهر من وعده بتشكيل حكومة طوارئ لإدارة البلاد في مرحلة الحرب. إذ إن التعديل الوزاري يعد بمثابة محاولة لمخاطبة مطالب شرق السودان وتعزيز الدبلوماسية والإعلام. منذ إلغاء البرهان لمجلسي السيادة والحكومة وفرض حالة الطوارئ في أكتوبر 2021، تولت حكومة برئاسة وكلاء وزارات منذ يناير 2022، مع احتفاظ وزراء الحركات المسلحة بمناصبهم. كما أشار البرهان إلى عزمه تعيين رئيس وزراء لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، لكن عملية التعيين شهدت تحديات، منها محدودية التعاون مع قوى الميثاق الوطني.
خلال لقائه مع سياسيين مؤيدين للجيش، ألمح البرهان إلى أهمية تشكيل حكومة قادرة على إدارة البلاد حتى عقد مؤتمر حوار سوداني-سوداني للتوصل إلى توافق لما بعد الحرب. لكن تهديد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، بتشكيل حكومة موازية يعكس الانقسام السياسي المحتمل، مما يجر البلاد إلى سيناريوهات مشابهة لدول أخرى شهدت صراعاً داخلياً. حذّر دقلو من العواقب الوخيمة لوجود حكومتين تتسابقان على النفوذ والسيطرة.
أما عن التعيينات الجديدة، فقد تم تعيين أربعة وزراء في خطوة تعتبر استجابة لمطالب التحسين من إقليم شرق السودان، والذي يعاني من التهميش في الحكومة. وزير الخارجية الجديد، علي يوسف، يحمل خبرة دبلوماسية واسعة مما يهدف إلى تحسين العلاقات الخارجية، بينما من المتوقع أن يعزز وزير الإعلام، خالد الأعيسر، أداء الإعلام السوداني المتأثر سلباً بالأوضاع الراهنة. هؤلاء الوزراء يمثلون نهجاً جديداً يسعى إلى إظهار التوجه نحو تلبية الاحتياجات المحلية وتحسين الخطاب الإعلامي الذي وُصف بأنه ضعيف في خضم النزاع المستمر.
من ناحية أخرى، receiv رئيس تحالف التراضي الوطني، مبارك الفاضل المهدي، بانتقادات حادة للعملية السياسية، مشيراً إلى أن الوثيقة الدستورية لا تسمح للبرهان بتشكيل الحكومة، وندد بغياب الشرعية عن الحكومة المكلفة. المهدي اعتبر أن أي حكومة تنشأ في هذه الظروف ستواجه مقاطعة دولية وعقوبات، وأن الحكومة المدعومة عسكرياً ستظل عاجزة عن تحقيق أي تقدم حقيقي. وركز على أهمية وجود فريق عمل يمتلك الكفاءة والخبرة، بدلاً من الاعتماد على مجموعة غير متوافقة.
في هذا السياق، يعتقد الكاتب عثمان ميرغني أن تعيين وزراء ذوي خبرة يعد خطوة إيجابية، إلا أنه انتقد عنوان “مكلف” الذي يوحي بنقص الشرعية الشخصية في العمل. كما أشار إلى ضرورة أن يتمتع الوزراء بسلطات أكبر لتحقيق فعالية في تعاملاتهم المحلية والدولية. وعبر عن قلقه من أن تكرار العملية السياسية وإبعاد هياكل الدولة يعكس رغبة البرهان في تركز السلطة، مما ينذر بمخاطر مستقبلية لما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات.
بناءً على هذه الأحداث، يبدو أن السودان يواجه تحديات جسيمة في سياق سعيه لبناء حكم مستقر وديمقراطي. فالتعديلات الوزارية قد تكون مجرد تدابير رمزية في إطار الشد والجذب بين القوى العسكرية والسياسية، مما يترك الباب مفتوحاً أمام مستقبل غير واضح في ظل استمرارية الصراع وتباين الآراء حول كيفية إدارة البلاد وأهمية التوافق السياسي لإنجاح أي خطوات مستقبلية.