غزة – في منطقة جباليا البلد، ظهرت لينا شعبان وهي تحمل راية بيضاء، عرضت من خلالها استغاثتها طلباً للماء والطعام، في خضم حصارٍ خانق تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من الظروف القاسية التي تعانيها عائلتها، قُتلت لينا بشكل مأساوي برصاص مسيرة إسرائيلية تُعرف بـ”كوادكابتر”، لتسقط على بعد أمتار من منزلها. كانت عائلتها، ومنها والدها، يراقبون المشهد بشدة بعد أن تقدمت جرافات الاحتلال ووُضعت التراب عليها بشكل متعمد. ومع طول الانتظار والألم، قرر والدها مغامرة سحب جسدها إلى المنزل، في لحظة عجز الموارد والإمكانيات عن نجدة ابنته وسط واقع مأساوي يعيشه سكان المنطقة.

تعتبر عائلة لينا من العائلات البسيطة التي تعاني من مشكلات صحية وإعاقات، وفقًا لروايات أهالي المنطقة. أسامة، شقيق لينا الأكبر، تعرض لإصابة بالرصاص أثناء محاولته اللجوء إلى الخارج. المناخ العام في المنطقة يزداد سوءًا مع استمرار الحصار الإجرامي الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي لشمالي قطاع غزة، حيث يمارس الاحتلال عمليات إبادة ممنهجة بحق الفلسطينيين، ويمنع عنهم الحاجات الأساسية مثل الماء والطعام. وعلى مدار العملية العسكرية الأخيرة، أدت الهجمات إلى استشهاد أكثر من 800 فلسطيني وإصابة ما يقرب من 1500 آخرين، بينما لا تزال عشرات الأسر في عداد المفقودين.

تُظهر الأحداث أن قصف الاحتلال لم يتوقف عند حدود الهجمات البسيطة، بل تجاوز لتصل إلى استهداف جثث الشهداء التي تُركت في الشوارع، حيث ادُّعي عدم استطاعة طواقم الإسعاف الوصول إليها. ارتكبت مجزرة لينا في الأسبوع الثاني للحملة العسكرية، وبدلاً من أن تكون الراية البيضاء رمزاً للأمان، كانت بمثابة دعوة للموت. عانت العائلة كثيراً قبل أن تتمكن من نقل جثة لينا، حيث أخافهم الإهمال الذي تعاني منه الجثث الأخرى في الشوارع، ما دفعهم للنزوح عن المنطقة.

تزداد معاناة المواطنين في جباليا، حيث غابت الحياة اليومية بغياب الطعام والماء. عانت البيوت والشوارع من التدمير، مما أدّى إلى مشاهد مروعة لجثث ضحايا تُركت لأيام. واستمر الاحتلال في استهداف المناطق، ما أدى إلى إيقاف أعمال الدفاع المدني في شمال القطاع بفعل الاعتقالات والهجمات المباشرة على الطواقم الطبية. تشير التقارير إلى استهداف واضح لكل مقومات الحياة، مع العمل على إفراغ المنطقة من سكانها تحت وطأة الهجمات العسكرية المتواصلة.

على رغم البدائل التي قد تبدو متاحة لإجلاء المواطنين، فإن قوات الاحتلال تعمد إلى استخدام الإجراءات القهرية. مسيرات “كوادكابتر” لا تقتصر على القصف فحسب، بل تمتد إلى الترهيب من خلال الإنذارات عبر مكبرات الصوت لدفع النازحين إلى مغادرة مناطق آمنة ظنًا منهم أن ذلك سيحميهم، ناهيك عن عمليات التفتيش القسري والاعتقال. يشعر النازحون برعبٍ دائم من الأوضاع، حيث تنبع لاجؤهم إلى مراكز الإيواء من محاولات الهرب من القصف، إلا أن تلك المراكز بدورها كانت هدفاً للهجمات.

في ظل النقص الحاد في الأساسيات والحرمان من الرعاية الصحية، تشتكي العائلات النازحة من التمييز المتعمد الذي تتعرض له. حاولت الهيئة الدولية دعم حقوق الشعب الفلسطيني توثيق المجازر التي تتعرض إليها العائلات خلال تلك الأوقات العصيبة، مشيرة إلى أن الاحتلال يسعى لتفريغ شمال القطاع من سكانه بالقوة. شهدت المجزرة الأخيرة في مناطق جباليا وبيت لاهيا استشهاد العديد، حيث استمر الاحتلال في إلحاق الأذى دون اعتبار للحياة المدنية.

مع كل هذه الجرائم والانتهاكات، يبقى الفلسطينيون في شمال غزة أسرى للألم المستمر، يسعى كل منهم إلى البقاء على قيد الحياة في ظروف غير إنسانية. توضح القضايا الجدلية في هذا السياق أن الاحتلال يصمم على الدفع بالجماهير نحو المغادرة القسرية. هذه المعاناة الإنسانية توضح صورة مفزعة للواقع في شمال غزة وتستدعي استجابة فورية من العالم للممارسات الإجرامية التي تنتهك حقوق الإنسان وتعتبر إعادة الإعمار في هذه المناطق مسألة مركزية تتطلب تدخلات فعالة.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.