ما فتئ الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الأسبوعين الماضيين يكرر أن سكان قطاع غزة ينبغي أن يرحلوا عن هذه الأرض المدمرة إذ يرى أن الفلسطينيين إنما يفضلون البقاء في غزة لأنهم “لا يعرفون أي شيء آخر.. ولم يكن لديهم بديل أبدا”، لكن بالنسبة لغسان سالم، الذي ولد ونشأ في القطاع، فإن المغادرة ليست خيارا يمكن أن يخطر على باله.
ويعلق سالم على كلام ترامب، فيما نقله عنه الصحفيان في “واشنطن بوست” ماهام جافايد وجو سنيل، قائلا: “أرض غزة تحتوي على حياتي وذكرياتي وكل شيء”.
ويتذكر هذا الممثل ومعلم الدراما البالغ من العمر 34 عاما منزله في جباليا كما كان قبل أن يُضطر هو وعائلته إلى الفرار جنوبا مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على شمال غزة.
ويضيف أنه استغل أول سانحة للتحرك شمالا لرؤية ما حل بشقته بأم عينيه وهل فعلا تحولت تلك الشقة التي بناها قبل 6 أشهر من بداية الحرب، إلى رماد وأنقاض.
وكان سالم قد نزح هو ووالدته وزوجته وطفلاه وعائلة شقيقه 3 مرات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وها هو يعود مع صديق له إلى جباليا، بعد أيام من وقف إطلاق النار، على أمل تهيئة مكان مناسب لعائلته قبل إعادتهم إلى الشمال.
ومع اقتراب سالم من حيّه، بدأت وجوه مألوفة تظهر له: أبناء عمومته، وأطفالهم، وأصدقاؤه القدامى وجيرانه؛ أشخاص لم يرهم منذ أكثر من عام. وكان بعضهم عائدين إلى ديارهم أيضا.
وبعد 6 ساعات من السير على الأقدام، وصل سالم إلى جباليا، ليكتشف أن الأحياء التي كان يعرفها “مُسحت عن بكرة أبيها”.
وقف سالم بجوار المبنى الذي كان يسكنه ذات يوم، وفي وسط الأنقاض، كان ينادي على كل من يراه قائلا: “الحمد لله على السلامة”، ليكون الرد عليه: “الحمد لله على سلامتك”.
وبينما كان سالم يمشي عبر أكوام الأنقاض والقضبان المعدنية الملتوية، أشار إلى المكان الذي كان يقع فيه مركز المخيم، حيث كانت توجد عيادة طبية ذات يوم.
وفور حصوله على طريقة للتواصل مع زوجته، بدأ سالم يحدثها عما حل بالشقة والحي بأكمله من دمار ليأتيه ردها قائلة: “سنستعيد حياتنا يا حبيبي، وستكون أفضل مما كانت عليه. ما علينا إلا أن ندعو الله أن يجعل حياتنا جميلة كما كانت، لقد مررنا بتجربة مروعة ونجونا منها. طالما أنت بخير، سيكون كل شيء على ما يرام”.
ورغم ما عانوه من فقد ودمار فإن سالم يؤكد أن أفراد عائلته يريدون العودة.
وكانت إسرائيل قد شنت واحدة من أكثر الحروب تدميرا في هذا القرن، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف ودفعت ما لا يقل عن نصف السكان إلى “ظروف أشبه بالمجاعة”، وعلى مدى أشهر، قاومت إسرائيل الضغوط من حلفائها الغربيين للسماح بمزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع.