خلال اليومين الماضيين، توافد مئات النشطاء المسلمين على مقر الكونغرس الأميركي ضمن برنامج سنوي يهدف إلى الضغط على أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لدعم القضايا المحلية مثل تحقيق الأمن ومواجهة الإسلاموفوبيا وقوانين الهجرة، ويدعم هذا النشاط تحالف المؤسسات الإسلامية الكبرى في الولايات المتحدة.

وتتزامن هذه الحملة مع مرور 100 يوم على وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، ووسط تحولات جذرية يمر بها المشهد السياسي الأميركي والتي أثارت جدلا واسعا داخليا وخارجيا.

فخلال أول 100 يوم أطلق ترامب سلسلة من القرارات التنفيذية التي لم تقتصر على إثارة الرأي العام الأميركي فحسب، بل امتدت تأثيراتها لتشمل العالم بأسره، بما في ذلك الأسواق العالمية والمجتمعات المهاجرة في الولايات المتحدة.

وبينما تتصدر أجندة “أميركا أولا” السياسات التي يتبناها ترامب، وجدت الجاليات العربية والمسلمة نفسها في قلب هذه العاصفة السياسية، سواء من خلال سياسات الهجرة المثيرة للجدل أو المراسيم التي طالت مسألة اللجوء والسفر والتجنيس، أو الإجراءات التي تستهدف الطلاب والنشطاء الداعمين للقضية الفلسطينية.

ترامب والمهاجرون

وفي ولايته الثانية، تبنّى ترامب نهجًا يبدو أقل حدة مقارنة بولايته الأولى (2017 – 2020) تجاه المهاجرين العرب والمسلمين، لكنه لم يخلُ من سياسات وإجراءات مثيرة للجدل.

وأشار المحامي حسام عبد الكريم (الحاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة جورج تاون) إلى أن إدارة ترامب ركزت في بعض إجراءاتها ضد المهاجرين على استهداف الطلبة العرب والمسلمين، لا سيما أولئك المشاركين في الحركات الطلابية المعارضة للسياسات الأميركية تجاه قضايا الشرق الأوسط.

ويمثل الدعم الذي تقدمه الإدارة الأميركية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة أهم الأسباب التي دفعت العديد من النشطاء وطلبة الجامعات إلى التظاهر ضد هذه السياسة، وردت إدارة ترامب بإلغاء العديد من إقامات هؤلاء وبدأت إجراءات ترحيلهم، مثل قضية طالب جامعة كولومبيا محمود خليل.

كما تعرّض الفلسطينيون والعرب والمسلمون لملاحقات أمنية موسعة من قبل أجهزة الأمن، بما في ذلك تحقيقات واقتحامات، وصفها أستاذ العلوم السياسية أسامة أبو ارشيد بأنها جزء من تزايد التضييق على الحريات.

واتخذت هذه السياسات طابعًا تأديبيًا، إذ ركز ترامب على المؤسسات الخيرية والنشطاء الذين يعملون لصالح قضايا عربية وإسلامية، مما أثار مخاوف حول الحريات السياسية والمدنية في الولايات المتحدة، حسب تصريحات أبو ارشيد للجزيرة نت.

أما المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) نهاد عوض فيرى أن إدارة ترامب في الولاية الثانية، ومنذ الحملة الانتخابية، أدركت أهمية صوت المسلمين الأميركيين وقيمتهم الإستراتيجية في أي انتخابات.

وأضاف عوض -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن النقطة السابقة قد تكون العامل الأساسي في تأخر ترامب حتى الآن في إعلان سياسات جديدة تشدد على هجرة المسلمين من بعض الدول.

دونالد ترامب يعرض رسما بيانيا حول الهجرة غير النظامية إلى الولايات المتحدة (رويترز)

 ترامب والشرق الأوسط

علاقة إدارة ترامب بقضايا الشرق الأوسط ألقت بظلالها أيضًا على المسلمين والعرب داخل الولايات المتحدة. ووفقًا لتصريحات المدير التنفيذي لكير فإن سياسات ترامب المعلنة وغير المعلنة تؤكد استمرار الدعم الأميركي للإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك العدوان على غزة ومحاولات ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل.

وتقع القضية الفلسطينية بكل تبعاتها في صلب توجهات السياسة الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط، لا سيما أن ترامب يجعل من هذه التوجهات مصدرا لمزيد من الإجراءات والقوانين التي تستهدف الجاليات المسلمة التي تعارض التوجهات الأميركية ودعمها غير المحدود لإسرائيل.

فأستاذ العلوم السياسية يرى أن ترامب يسير على منوال سلفه جو بايدن لدعم إسرائيل في حرب الإبادة على قطاع غزة، وفي الحديث عن إمكانية ضم الضفة الغربية لإسرائيل، وأيضا العدوان الإسرائيلي على لبنان، وعودة العدوان الأميركي على اليمن، وهي كلها مؤشرات سلبية جدا وتؤثر على المسلمين الأميركيين.

وهذه المؤشرات السلبية انعكست داخل الأوساط الجامعية والأكاديمية، حيث أشار نهاد عوض إلى تصعيد الإدارة الأميركية ضد الطلاب والنشطاء المؤيدين للقضية الفلسطينية، كما فرض ترامب تضييقا على حرية التعبير وحرمان بعض الجامعات من الدعم المالي.

_حملة ضغط لناشطين مسلمين أمام الكونغرس الأميركي المصدر: مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)
مئات الناشطين المسلمين توافدوا  أمام الكونغرس الأميركي لدعم قضاياهم (كير)

مستقبل الجاليات المسلمة

وفي تقييم مستقبل العلاقة بين إدارة ترامب والجاليات المسلمة، يرى الخبراء أن التوقعات تظل حذرة، فالمحامي عبد الكريم، أوضح أن “إدارة ترامب قد تُقدِم في الأسابيع المقبلة على سلة من الإجراءات والأوامر التنفيذية التي تحظر دخول مواطني عدة دول عربية وإسلامية، وسيتم تبرير ذلك بانعدام الأمن في هذه الدول أو فساد مَنحها الجنسية لمواطنين مشبوهين”.

وعلى المستوى المحلي، يرى الرئيس التنفيذي لـ”كير” أن الجاليات المسلمة بدأت تستفيد من وعيها المتزايد بقوتها السياسية، خاصة في ولايات مؤثرة مثل ميشيغان، حيث لعب المسلمون دورًا في الحملة الانتخابية الأخيرة.

كما أشار إلى أن حملات التصعيد من قبل إدارة ترامب ضد مؤيدي القضية الفلسطينية مثلا إنما هي انعكاس لامتداد وقوة وتجذر الحركة الطلابية المؤيدة للحق الفلسطيني، ودلالة على ازدياد استياء المجتمع الأميركي من سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل.

وأكد عوض أن هذه الحملات ستبوء بالفشل لأن الأوساط الطلابية والأكاديمية هي التي قادت في الستينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي حركات التمرد على الفصل العنصري في أميركا ضد السود، وأن ردود الأفعال الأكاديمية -لا سيما جامعة هارفارد– التي رفضت الانصياع لتغيير سياساتها مقابل رفع الضغط المالي وحرمانها من ملياري دولار تعد مصدر أمل للجامعات الأخرى.

أما أبو ارشيد فيقول إن هناك حديثا عن إطلاق جملة من القضايا الجنائية ضد عدد من المنظمات الإسلامية والنشطاء المسلمين، لا سيما الذين يعملون في دعم القضية الفلسطينية، وكلها مؤشرات تبين أن علاقة ترامب بالمهاجرين ستكون صعبة وانتقامية بحق المسلمين.

وقد تكون الـ100 يوم الأولى من رئاسة ترامب الثانية شاهدة على قوة دفع جديدة لسياسات الهجرة المتشددة، لكنها في الوقت ذاته تسلط الضوء على التحديات التي قد تواجه المهاجرين والجاليات العربية والمسلمة، سواء على المستوى السياسي أو الإنساني داخل المجتمع الأميركي.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.