أفادت صحيفة “تايمز” البريطانية بأن عدد الوفيات في المملكة المتحدة العام الماضي تجاوز عدد المواليد، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد السكان بفضل الهجرة التي شهدت مستويات قياسية هي الأعلى منذ نصف قرن. إذ وصل عدد المقيمين في المملكة المتحدة إلى 68.2 مليون شخص بحلول منتصف عام 2023، مما يمثل أسرع زيادة سكانية منذ 53 عامًا، وذلك حسب ما أفادت به البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية. وقد أشار المكتب إلى أن هذا النمو السكاني كان محركه الأساسي هو معدلات الهجرة الصافية، إذ سجلت المملكة المتحدة 16 ألفًا و300 حالة وفاة مقارنة بعدد المواليد في خلال العام المذكور.

خلال السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن بريطانيا تعيش في حالة من التحول الديموغرافي، حيث إن هذه الزيادة السكانية تعكس التغييرات الكبيرة في تكوين سكان البلاد. فعلى الرغم من حدوث ما يسمى بـ “التغير الطبيعي السلبي” حيث يفوق عدد الوفيات عدد المواليد، إلا أن العوامل الأخرى مثل الهجرة لعبت دورًا رئيسيًا في التعويض عن هذا النقص. تشير التقارير إلى أن عدد السكان في بريطانيا زاد بمقدار مليوني نسمة في غضون خمس سنوات فقط، مما يعكس الارتفاع المستمر في مستويات المهاجرين.

مع تصاعد هذا الوضع، بدأت تتزايد الضغوط على الحكومة من قبل الخبراء والمحللين، الذين حذروا من تأثيرات الهجرة على خدمات الإسكان والرعاية الصحية والتعليم. فقد أوضح روبرت جينريك، المرشح لزعامة حزب المحافظين، أن القلق المتزايد حول أعداد المهاجرين يعتبر مبررًا، مما يستدعي ضرورة وضع سقف قانوني للحد من التدفق الكبير للمهاجرين، وهو ما يعكس ارتفاع القلق لدى الجمهور.

تظهر البيانات أن بريطانيا تعاني من تباين ديموغرافي بين المناطق، حيث تتواجد القرى الريفية التي تشهد تزايدًا في معدلات الشيخوخة، في مقابل المدن التي تتسم بارتفاع نسبة الشباب. هذا التباين يعكس تحديًا أمام السلطات البريطانية في تقديم الخدمات اللازمة، خاصة في ظل ارتفاع الطلب على الرعاية الاجتماعية في المناطق التي تتزايد فيها أعداد الكبار في السن، بينما يواجه النظام التعليمي تحديات مرتبطة بانخفاض المواليد.

تشير التقارير إلى أن معظم المهاجرين القادمين إلى بريطانيا منذ عام 2023 قدموا من دول مثل الهند ونيجيريا، حيث يسعى الكثيرون للعمل في قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية. وعلى الرغم من أن مكتب الإحصاءات الوطنية لا يقوم بنشر بيانات دقيقة حول الهجرة القانونية وغير القانونية، إلا أن وزارة الداخلية كشفت عن أن 36 ألفًا و704 وافدين غير نظاميين وصلوا إلى المملكة في عام 2023، 80% منهم عبر قوارب صغيرة، مما يثير الكثير من الأسئلة حول السياسات المتعلقة بالهجرة في البلاد.

هذا الوضع المعقد يتطلب من الحكومة البريطانية اتخاذ خطوات فعالة لتدارك التحديات الناتجة عن الزيادة السكانية السريعة، والتي تهدد توازن الخدمات العامة. يجب أن تدرس السلطات كيفية تحقيق التوازن بين الحاجة لمعدلات هجرة عقلانية تلبيةً لاحتياجات السوق، والأثر السلبي المترتب على التطورات الديموغرافية الحالية. يبدو أن المستقبل يحمل العديد من التحديات، مما يستدعي التفكير العميق في السياسات والتخطيط المستدام للتعامل معها.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.