يُعرف اختصارًا وشهرة بـ “قائد القوات” نسبة إلى قوات الأمن الوطني الفلسطينية، ويحضر اسمه مع كل عملية أمنية تشنها السلطة الفلسطينية في مناطق الضفة الغربية، يرى فيه بعضهم شخصية عسكرية بحتة دون أي أطماع سياسية، وينظر إليه آخرون على أنه اسم من الأسماء الحاضرة في سؤال اليوم التالي لرحيل الرئيس محمود عباس، كان هذا قبل القرار المفاجئ القاضي إحالته للتقاعد يوم السبت الموافق 1 مارس/آذار 2.

ولد نضال علي أبو دخان عام 1986 في ولاية تبسة الجزائرية، ويتحدر من عائلة هجّرها الاحتلال من مدينة حيفا المحتلة عام 1948، واستقرت في قرية فقوعة قضاء جنين التي غادرها والده إلى الجزائر ليعمل في سلك التعليم، وينضم هناك إلى صفوف حركة فتح التي أصبح ممثلها في تبسة.

حصل نضال أبو دخان على البكالوريوس في العلوم العسكرية من كلية شرشال في الجزائر، وعاد مع عائلته إلى الضفة الغربية بعد توقيع اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، وهناك التحق بجهاز الأمن الوقائي الذي تولى فيه منصب مدير الأمن والحماية.

حصل اللواء على سلسلة من الدورات العسكرية المتخصصة في الولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا منها حماية الشخصيات والمواكب، مكافحة الإرهاب، حماية الشخصيات المهمة، العمليات الخاصة، مستشار أمني، التدخل السريع، وغيرها.

ثم انتقل إلى جهاز الحرس الرئاسي، وهناك تدرج في الرتب العسكرية وصولًا إلى رتبة عقيد، وتولى عددًا من المناصب الهامة داخل صفوف الجهاز منها، مدير التدريب والتخطيط، مدير العمليات، قائد التدخل السريع، وقائد العمليات الخاصة، إلى جانب رئاسته الاتحاد العام للرياضات العسكرية بقرار صادر عن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس عام 2007.

الوجوه الأمنية الجديدة!

في أيلول /سبتمبر 2009، وضمن مرحلة إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية وفقًا للرؤية الأميركية عقب مباحثات “أنابوليس”، أصدر الرئيس محمود عباس سلسلة قرارات لتصعيد وجوه جديدة لقيادة الأجهزة الأمنية وإقصاء الحرس القديم المحسوب على عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات.

كيف صاغ دايتون أجهزة الأمن الفلسطينية (الجزيرة)

تضمنت قرارات عباس وقتها، ترقية العقيد نضال أبو دخان من جهاز الحرس الرئاسي إلى رتبة عميد، وتكليفه بقيادة جهاز الاستخبارات العسكرية خلفًا للواء ماجد فرج الذي تقرر بمرسوم رئاسي تكليفه بقيادة جهاز المخابرات العامة.

عقب سلسلة الترقيات وقرارات إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، شهدت الضفة الغربية تصاعدًا غير مسبوق في حملات الاعتقالات التي شنتها أجهزة الأمن على كوادر وأنصار حركة حماس، ورصدت منظمات حقوقية أرقامًا قياسية في حالات التعذيب داخل سجون ومقرات هذه الأجهزة، كان عدد ضحاياها وفاة 3 معتقلين من التعذيب خلال عام واحد فقط.

ورغم إعلان السلطة الفلسطينية اتخاذها إجراءات لوقف تعذيب معتقلي حماس في سجونها، فقد أفادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنها سجلت 202 شكوى عن التعذيب في سجون السلطة عام 2010 مقابل 164 شكوى عام 2009.

واتهمت “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا” في تقرير لها صدر عام 2010 كلًا من مدير المخابرات العامة الفلسطينية،

مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج
 (مواقع التواصل الاجتماعي)

اللواء ماجد فرج، ورئيس جهاز الأمن الوقائي، اللواء زياد هب الريح، والعميد نضال أبو دخان، قائد جهاز الاستخبارات العسكرية، بـ “المسؤولية المباشرة عن اعتقال المواطنين الفلسطينيين وتعذيبهم في مراكز تقع خارج رقابة القانون”.

قاد العميد نضال أبو دخان جهاز الاستخبارات العسكرية عامين، قبل أن يُرقى بمرسوم رئاسي في ديسمبر 2011، إلى رتبة لواء ويكلف بقيادة قوات الأمن الوطني خلفًا للواء ذياب العلي الذي أحيل إلى التقاعد.

بندقية قِبلتها صدور الشعب

يقود اللواء نضال أبو دخان، أكبر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، تسليحًا وعتادًا وعددًا، إذ تضم قوات الأمن الوطني 9 كتائب موزعة على مدن الضفة الغربية، وقد حظيت هذه القوات -التي يتراوح عدد أفراد الكتيبة الواحدة منها من 600 إلى 1000 منتسب- لتدريبات عسكرية في الأردن على يد خبراء من إيطاليا وبريطانيا وتحت إشراف أميركي مباشر.

نسب اللواء أبو دخان في مقابلة عام 2013، الفضل للمساعدات الأميركية التي تضمنت الدعم المالي والدورات التدريبية، في رفع مستوى أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتطوير قدرات الجاهزية والأداء الاستخباري، مضيفًا أن أثرها ينعكس إيجابيًا على “التنمية السياسية في فلسطين”.

تولّت قوات الأمن الوطني، تحت قيادة اللواء نضال أبو دخان، مهمات “فرض القانون والنظام ومحاربة الفلتان الأمني” وفقًا لما كانت توصف به في البيانات الرسمية الصادرة عن السلطة الفلسطينية، حيث شرعت هذه القوات منذ عام 2013 في مهمات متتالية لـ “فرض القانون والنظام” وملاحقة المجموعات المسلحة.

نضال أبو دخان يشارك في حفل استقبال في السفارة الأمريكية في القدس 2015 (الفرنسية)

شهد عام 2013، مواجهات دامية بين مجموعات مسلحة تابعة لحركة فتح وقوات الأمن الوطني، ابتداءً من مخيم بلاطة، وصولًا إلى مواجهات البلدة القديمة في مدينة نابلس عام 2016، التي أشرف عليها اللواء أبو دخان شخصيًا ونفذتها الكتيبة 101 في قوات الأمن الوطني.

أسفرت مواجهات نابلس آنذاك عن مقتل 2 من أفراد الأمن والوطني و3 مواطنين منهم أحمد حلاوة “أبو العز” أحد وجهاء البلدة القديمة ومتزعم إحدى التشكيلات المسلحة التابعة لحركة فتح، وقد قضى ضربًا على يد أفراد من قوات الأمن الوطني داخل سجن جنيد في مدينة نابلس بعد ساعات من اعتقاله.

السلطة في حينه اتهمت حلاوة بأنه العقل المدبر لعملية إطلاق النار التي أسفرت عن مقتل 2 من عناصر قوات الأمن الوطني، مضيفة في بيان لها أنه “استفز رجال الأمن الذين اعتقلوه بشتمهم، فانهالوا عليه ضربًا حتى قُتل”، بينما اتهمت عائلته في بيان صادر عنها، اللواء أبو دخان بـ “التورط المباشر والمسؤولية الكاملة عن إعدامه”، مطالبة بإقالته من منصبه.

عام 2020، شنت قوات الأمن الوطني من جديد حملة على مخيم بلاطة هدفت إلى “بسط سيادة القانون ومحاربة السلاح غير الشرعي والقضاء على الفئات الخارجة على القانون” وفقًا للبيانات الرسمية، وأسفرت هذه الحملة عن مقتل مواطن وإصابة آخرين وعناصر من القوات، وقد حظيت هذه الحملة أيضًا بإشراف مباشر من اللواء أبو دخان الذي زار غرفة عمليات قوات الأمن الوطني في نابلس وأشاد بجهودها في حفظ الأمن والنظام العام.

الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية (الجزيرة)

وسائل الإعلام الإسرائيلية وقتها، أشارت إلى أن الحملات الأمنية التي تشنها قوات الأمن الوطني على المخيمات، تأتي ترجمة للتكليف الذي تسلمه قائدها اللواء نضال أبو دخان من الرئيس محمود عباس باستهداف مساعدي محمد دحلان في الضفة الغربية،

وأن العمليات في مخيمات بلاطة والأمعري هدفت إلى سحق المجموعات المسلحة المحسوبة على القيادي في حركة فتح، جمال الطيراوي، المقرب من محمد دحلان، وأنها تشكل جزءًا من طبيعة الصراع المبكر فتحاويًا عن مرحلة ما بعد عباس.

ديسمبر 2024، شنت السلطة الفلسطينية حملة أمنية على مجموعات المقاومة المسلحة في مخيم جنين أطلقت عليها اسم عملية “حماية وطن” استمرت عدة أسابيع وانتهت قبل ساعات من بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا واسعًا على المخيم لا يزال مستمرًا للشهر الثاني على التوالي.

الحملة التي قادها على الأرض جهاز المخابرات العامة وقوات الأمن الوطني، كانت الأكبر التي تشنها السلطة الفلسطينية على مجموعات المقاومة المسلحة، وشهدت استخدام المصفحات والقذائف الصاروخية لأول مرة، وحصار المخيم وقطع الماء والكهرباء عنه كاملا، ومنع دخول الإمدادات الغذائية.

السلطة أكدت في عدة بيانات لها أن الحملة تهدف إلى فرض القانون واعتقال الخارجين عليه ونزع سلاحهم، كما أكدت الأجهزة الأمنية أنها ستواصل “ملاحقة المسلحين ومن يقف خلفهم وأنها لن تتراجع أو تخضع لأي تسويات أو صفقات” رغم مساعٍ حثيثة قادتها جهات وفصائل وطنية منهم قادة وكوادر من حركة فتح في المخيم.

خلال الحملة، قتل عدد من عناصر الأجهزة الأمنية، وأظهرت مقاطع مصورة من داخل المخيم، استهداف مصفحات قوات الأمن الوطني بالعبوات الناسفة، وإيقاع خسائر بشرية ومادية فيها، لكن الحملة استمرت أسابيع، في ظل دعم سياسي وإعلامي مطلق لها من قيادة السلطة، وزيارات لماجد فرج ونضال أبو دخان لغرفة عمليات الحملة ضد المخيم.

الدور الإقليمي الغامض

لا يقتصر دور اللواء نضال أبو دخان على قيادة قوات الأمن الوطني، المكلفة فرضَ هيبة ووجود السلطة الفلسطينية وفقًا للبيانات الرسمية، بل تعداها إلى أدوار إقليمية ودولية، فقد كان عام 2015، على رأس وفد أرسلته قيادة السلطة إلى مخيمات لبنان ضم إلى جانب أبو دخان، عزام الأحمد، المشرف على الساحة اللبنانية في الحركة، لضبط الأوضاع الأمنية في المخيمات بعد سلسلة من عمليات الاغتيالات والمواجهات المسلحة.

زيارة اللواء أبو دخان مخيمات لبنان، تلاها قيامه بإيفاد عدد من ضباط قوات الأمن الوطني من رام الله إلى لبنان، وتكليفهم ضبطَ الحالة العسكرية لحركة فتح في المخيمات، والعمل على إعادة هيكلة وبناء القوات العسكرية للحركة، وربطها بغرفة العمليات المشتركة لقوات الأمن الوطني في رام الله، وإعادة تأهيل أفرادها بإخضاعهم لدورات عسكرية.

عمت المخيمات الفلسطينية في لبنان احتفالات بوقف إطلاق النار في غزة (الجزيرة)

يتمتع اللواء نضال أبو دخان بعلاقات دولية تتخطى حضوره المحلي، فقد كان عام 2017 أول ضابط فلسطيني يُكرم بـ “وسام الشرف الفرنسي من الدرجة الأولى”، وهو أعلى وسام يمنح للشخصيات العامة في فرنسا، حيث قلده إياه القنصل الفرنسي العام على الأراضي الفلسطينية، نيابة عن الرئيس فرانسوا هولاند.

وللواء أبو دخان، اتصالات وعلاقات مباشرة مع الجانب الأميركي، لم تبدأ بالدورات العسكرية التي حصل عليها في الولايات المتحدة، ولم تقف عند حدود علاقاته المباشرة مع المنسقين الأمنيين الأميركيين الذين تولوا عملية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، سواء الجنرال كيث دايتون، أو خلفه الجنرال فريدريك روديشايم.

نضال أبو دخان (مواقع التواصل الإجتماعي)

حظوظ الوراثة

في الحديث المتجدد دومًا عن مرحلة ما بعد محمود عباس “أبو مازن”، والأسماء المرشحة لخلافته، لا يظهر نضال أبو دخان كأحد المرشحين ذوي الحظوظ العالية في تولي المنصب، فالرجل العسكري، المبتعد عن المشهد السياسي، والنادر في ظهوره الإعلامي، توصف حظوظه بتولي منصب الرئاسة بـ “المعجزة” كما قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية في تقرير مطول لها.

قد لا يبدو نضال أبو دخان ذا حظوظ تنافسية على تولي منصب الرئاسة، وربما يعزف الرجل نفسه عن المنافسة لهذا المنصب مكتفيًا بدوره الأمني العسكري، إلا أنه وفي أي مرحلة قادمة، سيشكل عنصر ثقل للشخصية التي يدعمها من بين الأسماء المتصارعة على وراثة المقاطعة، متسلحًا بخبرته وشخصيته وعلاقاته الممتدة عبر الحدود.

بتاريخ 1 مارس/آذار 2025، أصدر الرئيس الفلسطيني قرارًا بإحالة اللواء نضال أبو دخان، قائد قوات الأمن الوطني في الضفة الغربية إلى التقاعد بعد 14 عامًا من توليه هذا المنصب، وتعيين اللواء العبد إبراهيم عبد السلام خلفًا له في قيادة القوات، وهي خطوة مفاجئة تجاه الرجل الذي وإن لم يكون ذو حظوظ تنافسية في مسمى “اليوم التالي لرحيل عباس”، إلا أن الكثيرين كانوا ينظرون لكونه سيشكل عنصر ثقل للشخصية التي سيدعمها من الورثة المحتملين، متسلحًا بخبرته وشخصيته وعلاقاته العابرة للحدود.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version