غزة- “لقد عدتُ من الموت إلى الحياة من جديد”، بهذه الكلمات وصف ضياء الآغا تحرره من سجون الاحتلال الإسرائيلي، التي قبع خلف قضبانها لنحو 33 عاما.
ضياء من مواليد أبريل/نيسان 1975، وكان في الـ17 من عمره عندما اعتقلته قوات الاحتلال عام 1992، على خلفية تنفيذه عملية فدائية قتل فيها -بمعول زراعي- ضابطا إسرائيليا، وحُكم عليه بالسجن المؤبد.
تنسم ضياء الحرية ضمن الدفعة السابعة من صفقة تبادل الأسرى التي تطلق عليها المقاومة الفلسطينية اسم (طوفان الأحرار)، والتي كان من المقرر إطلاقها السبت الماضي، وقد أعاق الاحتلال هذه الدفعة متذرعا بما وصفها بـ”المراسم الاستفزازية” للمقاومة خلال تسليم المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
ميلاد جديد
ينتمي الآغا لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وهو عميد أسرى قطاع غزة والوحيد من بين أسرى القطاع المعتقل منذ ما قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وقد رفضت قوات الاحتلال إطلاق سراحه في صفقات سياسية مع السلطة الفلسطينية، وأيضا في صفقة تبادل الأسرى “وفاء الأحرار” (صفقة شاليط) مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سنة 2011.
على مدار العقود الثلاثة الماضية تنقل الآغا بين سجون الاحتلال المختلفة، ويصفها -في حواره مع الجزيرة نت- بأنها “مقابر الأحياء”، ويعتبر تحرره منها “شهادة ميلاد”، ويقول “أنا وُلدت اليوم من جديد، كنا نعيش في قبور.. سجون الاحتلال عبارة عن جحيم”.
وفي غمرة فرحته بالحرية، لا ينسى الآغا من يصفهم بـ”رفاق السجن”، الذين قضى معهم ضعفي سنوات عمره، ويشعر بأن هذه الفرحة منقوصة، وممزوجة بكثير من الألم، ولن تكتمل إلا بحرية جميع الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال.
ويقول إنه خرج وترك وراءه آلاف الأسرى من الشباب والنساء والأطفال، وبينهم كبار سن ومرضى، يعانون الويلات جراء “سياسات العدو الممنهجة التي زادت قساوة وعنفا بعد الحرب على غزة”.
وعن قساوة ما عايشه الآغا والأسرى في سجون الاحتلال عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية إثر عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يقول إن “سنوات السجن كلها في كفة وشهور الحرب في كفة ثانية”.

وحدات القمع
ووفقا للآغا، فإن ما تسمى “مصلحة السجون” شددت من قبضتها على الأسرى عقب “طوفان الأقصى”، وأطلقت العنان لـ”وحدات القمع”، للتنكيل بالأسرى وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، حتى النوم والطعام، إضافة لعمليات اقتحام الغرف والزنازين والاعتداء على الأسرى بالضرب المبرح “انتقاما مما حدث لهم يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023”.
ويقول عميد أسرى غزة إن أعداد الأسرى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال جراء التعذيب والتنكيل والإهمال الطبي عقب اندلاع الحرب، يعادل شهداء الحركة الأسيرة داخل السجون منذ العام 1967.
ويضيف أن “3 وجبات طعام تقدم للأسرى بعد الحرب تعادل أقل من نصف وجبة قبلها”، وبسبب ذلك فإن كل أسير خسر ما بين 30 إلى 50 كيلوغراما من وزنه الشهور القليلة الماضية، وتدهورت الحالة الصحية العامة لجميع الأسرى.

عاد ضياء لمدينته خان يونس التي تركها طفلا، وقد توافدت إليه حشود من الأهل والأحبة والجيران، لتحيته وتهنئته بالحرية، وهي اللحظة التي طال انتظار والدته السبعينية لها، وسافرت حول العالم ضمن وفود “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، للمشاركة في فعاليات مساندة للأسرى للتعريف بقضية نجلها ورفاقه في سجون الاحتلال.
ضياء ليس الابن البكر لنجاة الآغا، ورغم ذلك فإن اسمه اقترن بها حيث تشتهر بـ “أم ضياء الآغا”، وهي واحدة من الوجوه البارزة، وناطقة باسم أمهات الأسرى، وعلى مدار سنوات اعتقال نجلها، حملت أوجاعها وثقل سنوات عمرها لزيارته من سجن إلى آخر، ولم تتخلف عن المشاركة في الاعتصامات الأسبوعية إسنادا للأسرى أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
تقول أم ضياء للجزيرة نت “والله كنت خايفة أموت قبل هذه اللحظة، بعدما احتضنت ضياء وقد تحرر من السجن ما بدي حاجة من الدنيا”. وتبتسم وتضيف: “والله الدنيا ما كان لها طعم من دونه، الحمد لله أن تحرره جاء مع شهر رمضان عشان (حتى) أعمل له كل الأكل اللي بيحبه.. مقلوبة ومسخن وكل حاجة حرم منها بالسجن”.

فضل المقاومة
يقاطع ضياء والدته وقد انكب يقبل رأسها “والله يمّا شوفتك بكل الدنيا، بدي سلامتك وحرية الأسرى”. وأثنى على المقاومة وتضحيات أهالي غزة، وأكد “حريتنا جاءت بدماء الأبطال وأهلنا في غزة، وننتظر تبييض السجون والحرية لكل الأسرى والأسيرات. والله صمود المقاومة أمام جبروت الاحتلال لا تقوى عليه دول”.
في العام 2005 توفي والد ضياء، وكان وقتها برفقته شقيقه محمد داخل السجون حيث قضى 12 عاما، ولم تتح لهما فرصة إلقاء نظرة الوداع على والدهما.
وحرص عميد أسرى غزة على الثناء على شبكة الجزيرة وتضحيات مراسليها في سبيل نقل الحقيقة وكشف جرائم الاحتلال بحق الأبرياء العزل خلال حرب الإبادة.
ووصل 456 أسيرا محررا في إطار الدفعة السابعة من المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، فجر اليوم الخميس، إلى المستشفى الأوروبي في مدينة خان يونس، تقلهم حافلات تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر.
وبدا الإعياء شديدا على أغلبهم، وكثير منهم لم يستطع الحديث أو الوقوف على قدميه، وخضعوا لفحوص طبية عاجلة. ويقول مدير التمريض في المستشفى صالح الهمص للجزيرة نت “وصل الأسرى في حالة يرثى لها من شدة ما تعرضوا له من ضرب وتعذيب، وأُدخل عدد كبير منهم للمستشفى للفحوص والعلاج”.
وبحسب الهمص، فقد تلقى جميع الأسرى المفرج عنهم أدوية ضد “داء الجرب”، لمعاناتهم من أمراض جلدية مستشرية داخل السجون جراء قيود الاحتلال على استخدامها، كما يؤكد الآغا أن الاحتلال “لا يسمح بالحمام إلا مرة واحدة كل أسبوعين ولدقيقة واحدة”.