لاحظ الباحثون أن التغطية الإعلامية لعمليات القتل التي ترتكبها إسرائيل في غزة غير متناسبة من حيث النطاق والوزن العاطفي، مقارنة بالتفاعل الإعلامي مع مقتل الإسرائيليين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وعادة ما يتم التعامل مع قتل الفلسطينيين كأرقام مجردة وكأنها أحداث عابرة، بينما تُعرض حوادث قتل المدنيين الإسرائيليين كجزء من استراتيجية حماس. يظهر هذا التفاوت في الوصف اللغوي؛ حيث تُستخدم لهجة عاطفية في سرد أحداث مقتل الإسرائيليين، بينما تُصاغ حوادث مقتل الفلسطينيين من منظور الأخطاء غير المقصودة. كما أن هناك أدلة واضحة على نية إسرائيل المسبقة بإيذاء المدنيين والبنية التحتية، مما يعكس تلقائية الإعلام في التعامل مع هذه المآسي.
تعتبر الدراسة التي أجراها الباحثان خروجاً عن التغطيات المتحيزة، حيث تؤكد أن الصحف الرئيسية في الولايات المتحدة نادراً ما تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية في تغطياتها للأوضاع الفلسطينية. رغم هذا التحيز في التغطية، تشير استطلاعات الرأي إلى تغيرات في آراء الديمقراطيين تجاه مزيد من التعاطف مع الفلسطينيين، مما يدل على حالة من التحول المجتمعي في الولايات المتحدة. يعزى هذا التحول، جزئياً، إلى انفتاح الأجيال الجديدة على مصادر المعلومات الحديثة مثل “تيك توك” و”يوتيوب”، بينما يعتمد الجيل الأكبر سناً على المصادر التقليدية من وسائل الإعلام.
كما يؤكد الصحفيان آدم جونسون وعثمان علي في دراستهما على وجود انحياز ملحوظ في تغطيات “سي إن إن” و”بي بي سي”، وهو ما أكده أيضاً مجموعة من الصحفيين الغربيين. وقد وثقت هذه الاعترافات في برنامج “ليسننغ بوست”، مما أضاف بعداً إضافياً to النقاش حول كيفية تشكيل الصور العامة للأحداث من خلال الوسائل الإعلامية.
ذكر الصحفيون أن هناك معايير مزدوجة في تغطيات كلا القناتين، حيث تدخل المحررون الكبار في صياغة المحتوى لتقليل من تأثير الفظاعات المرتكبة من قبل إسرائيل. هذا النوع من التدخل يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الصحافة في نقل الحقائق بشكل موضوعي دون انحياز. وقد كان لمثال الصحفي نيك روبرتسون، الذي رافق المتحدث العسكري الإسرائيلي إلى مستشفى الرنتيسي، تأثير كبير في تسليط الضوء على هذه الممارسات، حيث قدم معلومات دون سياق كافٍ أو نقد.
في هذا السياق، يعكس الوضع في غزة والهجمات التي تتعرض لها المدنيين الفلسطينيين خللاً في الأطر الأخلاقية والسياسية التي تحكم الصحافة. ويظهر هذا الانحياز ليس فقط في الأخبار الفورية ولكن أيضًا في المناقشات والتقارير الطويلة التي يتم نشرها، مما يؤدي إلى إغفال المآسي الإنسانية الحقيقية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. يكشف هذا التباين في التغطية عن الهوة الكبيرة بين الفهم العام للأحداث والحقائق على الأرض، مما يتطلب من الصحافة إعادة تقييم أساليب تغطيتها للأحداث.
في النهاية، تبرز الدراسة ضرورة إعادة النظر في كيفية تناول القضايا الإنسانية والنزاعات من قبل وسائل الإعلام، خاصة في أوقات الأزمات. يجب على القنوات الإخبارية أن تسعى لتقديم تغطية موضوعية وشاملة تعكس الأبعاد الإنسانية، بدلاً من الاعتماد على السرديات المنحازة التي قد تؤثر سلباً على الرأي العام وتؤدي إلى تفاقم الصراعات.