نشرت مجلة “جون أفريك” التي تصدر في باريس مقالا لمجيد الكراب العضو السابق في البرلمان الفرنسي عن الضجة التي أُثيرت لدى الأوساط الإعلامية والسياسية في فرنسا إثر نشر تقرير يسلط الضوء على نشاط “الإخوان المسلمين” وتغلغلهم في المجتمع.

واستهل الكراب مقاله مقترحا -بدلا من إثارة الضجة حول “الإخوان المسلمين”- أن ينصبّ الحديث عن “الإخوان” و”الأخوات” القادمين من خلفيات مهاجرة، وهم في أغلب الأحيان مسلمون، والذين يعملون على تسيير شؤون فرنسا يوميا؟

وقال إن تقريرا خطيرا للغاية ومثيرا للقلق راج في الأسابيع الأخيرة على أعلى المستويات في الحكومة الفرنسية -حول جماعة “الإخوان المسلمين”- وتضمن إشارات إلى “شبح التغلغل الزاحف”، و”إستراتيجية الغزو”، و”الإسلاموية الهادئة” التي من شأنها تقويض الجمهورية من الداخل.

فرنسا بدون المسلمين

وفيما يلي تكملة للمقال الذي يتخيل وضع فرنسا لمدة أسبوع واحد بدون ما قال إنهم “الإخوان” المسلمون القادمون من خلفيات مهاجرة:

إذا لنمارس نفس اللعبة. دعونا نتخيل للحظة فرنسا بدون هؤلاء “الإخوان”. ليس أصحاب الأيديولوجية، لا. ولكن أولئك الإخوان الذين يعملون في الظل. أولئك الذين يشتغلون، كل صباح، في قطاعات الصحة والنقل والمطاعم والنظافة والبناء والتعليم والخدمات، دون أن يقول لهم أحد: شكرا.

إنهم “الإخوان” الحقيقيون في الحياة اليومية. أولئك الذين ليس لديهم مكتب في جنيف أو وحدة إستراتيجية في مونتروي. لكن “الإخوان” الذين يعملون بعقود مؤقتة، أو بعقود دائمة غير مستقرة، أو يعملون في نوبات ليلية؟ وهم في كثير من الأحيان مسلمون، مهاجرون أو أبناء مهاجرين دائما.

دعونا نحاول قضاء أسبوع بدون هؤلاء “الإخوان”. أسبوع بدون هؤلاء الأشخاص غير المرئيين، ولكن الواضحين للغاية، الذين يُطلب منهم أن يحنوا رؤوسهم، ولكنهم يرفعون شأن البلاد.

مرحبا في فرنسا الجامدة

اليوم الأول: “المساعدة العامة – مستشفيات باريس” تتوقف. في باريس، أكثر من طبيب من بين كل 3 أطباء في المستشفيات العامة يحمل اسما ذا رنة توحي أن حامله من شمال أفريقيا أو جنوب الصحراء الكبرى أو تركيا.

إنهم أطباء الطوارئ، وأطباء التخدير، والجراحون، وأطباء الأشعة، وأطباء الأطفال. هم من يقدمون جميع الخدمات. وبدونهم، تغلق غرف العمليات، وتصبح غرف الطوارئ مكتظة، وتنهار العناية المركزة.
ولكن هناك أيضا مساعدو التمريض، والممرضون، وعمال النظافة، ومساعدو الأطباء، وطهاة المستشفيات.

لم يعد لدى خدمة الطوارئ الطبية متدرب لتقديم الدعم عند الطلب، ولا موظفون لتنظيف سيارات الإسعاف. ويدق مقدمو الرعاية المتبقون ناقوس الخطر. المرضى ينتظرون لساعات، والعمليات الجراحية الحرجة مؤجلة. لقد توقفت القوة الطبية الرائدة في أوروبا عن العمل، ليس بسبب فيروس ولكن بسبب غياب أعمدتها غير المرئية.

اليوم الثاني: مترو الأنفاق والحافلات تتباطأ. ليس هناك سائقون، ولا وكلاء. “هيئة النقل الباريسية المستقلة” (آر إيه تي بيRATP) تعاني من السعال، و”الشركة الوطنية للسكك الحديدية” (إس إن سي إف SNCF) تعاني من الاختناق. مرحبا بكم في فرنسا الجامدة.

إغلاق كامل بدون فيروس

اليوم الثالث: الرحلات الجوية تتوقف. في مطارات رواسي وأورلي ومرسيليا، تتراكم الأمتعة، وتبقى الطائرات على الأرض. تم منع شحنات الأدوية وقطع الغيار والسلع القابلة للتلف.

تدخل البلاد في أزمة كبيرة: إغلاق كامل يشبه جائحة جديدة.. بدون فيروس. كوفيد لوجستي، من دون إغلاق رسمي، ولكن مع نفس التأثيرات: الجمود، وفوضى التنظيم، والذعر.

اليوم الرابع: مواقع البناء صامتة. الحركة تتوقف في الخطوط الجوية الفرنسية، كارفور، أوشان، نستله، دانون، فينشي، بويغ، أونيه، لا بوست.. مؤشر كاك 40 ينهار. ذعر بين المساهمين: من سيحمل أكياس الأسمنت؟ من سيعمل؟ من سينجز كل هذه المهام غير المجزية ولكنها ضرورية؟ فرنسا تكتشف هشاشة نظامها الرأسمالي الذي يقوم على أكتاف أولئك “الإخوان” الذين جعلتهم غير مرئيين.

اليوم الخامس: الرفوف فارغة. بدون سائقي التوصيل، وبدون المناولين، لن يكون هناك المزيد من المنتجات، ولن يتدفق المزيد من السلع. إن الوفرة مجرد وهم لوجستي -وهذا الوهم اللوجستي له اسم أول لا يلقى استحسانا في نشرة أخبار الساعة الثامنة مساءً.

التهديد الحقيقي هو رحيلهم

اليوم السابع: الصمت. لا أحد يلعب كرة القدم. ولا أحد يؤدي موسيقى الراب. غابت المشاهد الاستعراضية والحفلات. أصبحت الملاعب فارغة، وتم إلغاء المهرجانات، وغاب الضحك في الأحياء. أصبحت فرنسا رتيبة، بلا إيقاع، بلا روح. ليس فيها زين الدين زيدان، ولا كيليان مبابي، ولا ليلى سليماني، ولا ليلى بختي، ولا إيزابيل أدجاني، ولا الطاهر بن جلون، ولا ياسمينة خضرا، ولا آية ناكامورا، ولا جمال دبوز… فرنسا بلا إيقاع، بلا كلام، بلا لون. فرنسا تشبه ما يتخيله البعض.. والتي تبعث على الخوف.

إذن لا “الإخوان المسلمون” لا يسيطرون على فرنسا. لكن إخوان الظل، نعم. وأخواتهم أيضا، أولئك اللواتي نحتقرهن بابتسامة تشبه ابتسامة التلفاز. أولئك المحجبات اللواتي يثرن الخوف في صفوف لجان التحقيق. أولئك اللواتي ينظفن آباءكم بصمت، ويطعمن أطفالكم، وينقذن حياتكم.
التهديد الحقيقي لا يتمثل في عقيدة هؤلاء الإخوان. التهديد الحقيقي هو رحيلهم. ولو رحلوا حقا في يوم من الأيام، فلن يتبقى سوى الأوهام والأنقاض.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.