تشهد الضفة الغربية تصاعدًا ملحوظًا في الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية بالتزامن مع التصعيد في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023. وبحسب المعطيات الرسمية الفلسطينية، تتضمن هذه الأنشطة توسيع البؤر الاستيطانية، ومصادرة الأراضي، بالإضافة إلى نشر المزيد من الحواجز العسكرية. وتعتبر هذه الإجراءات جزءًا من استراتيجيات إسرائيل الهادفة إلى تحويل المناطق الفلسطينية إلى جزر صغيرة تحت السيطرة الإسرائيلية، ما يعكس خطة لتأسيس دولة خاصة للمستوطنين. تتجاوز هذه الانتهاكات مجرد البناء الاستيطاني، حيث تشمل أيضًا اعتداءات على الفلسطينيين وهدم المباني في المناطق التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، مما يزيد من تعقيد الصراع في المنطقة.
خلال عام الحرب، تسارعت عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، حيث استحوذت إسرائيل على 52 ألف دونم من الأراضي، وأقامت 12 منطقة عازلة حول المستوطنات. شُرع في بناء 23 ألف وحدة استيطانية، مع مصادقة على 6300 منها، مما يعكس تصاعد حجم الاستيطان في الضفة الغربية. من بين المخططات الجديدة، تم التركيز على المدن الرئيسية مثل القدس والخليل ورام الله، حيث تم إنشاء 43 بؤرة جديدة، ما يعكس تغييرًا جذريًا في الجغرافيا الديموغرافية للمنطقة.
من جهة أخرى، شهدت الضفة الغربية زيادة كبيرة في الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون ضد التجمعات الفلسطينية، حيث قُدر عدد الهجمات بـ 1536 هجمة منذ بداية شهر أكتوبر، مما أسفر عن سقوط ضحايا ودمار واسع في ممتلكات الفلسطينيين. كما تم توثيق تهجير 285 أسرة فلسطينية بسبب هذه الهجمات، إضافة إلى هدم 1814 منشأة منها. تعتبر هذه الهجمات جزءًا من استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تعزيز الوجود الاستيطاني على حساب الفلسطينيين وقضيتهم.
تترافق هذه الظاهرة مع دعم حكومي إسرائيلي غير مسبوق للمشاريع الاستيطانية، حيث يُلاحظ أن الحكومة الحالية تضاعف جهودها في تسهيل إجراءات البناء ومنح التمويلات اللازمة لها. القيادات الإسرائيلية، لا سيما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تتبنى مواقف مؤيدة للاستيطان، مما أدى إلى زيادة غير مسبوقة في عدد المنازل المهدومة بنسبة 70٪ مقارنة بالسنوات السابقة. ينعكس هذا التأثير في شتى مجالات الحياة اليومية للفلسطينيين الذين يواجهون قيودًا صارمة على تنقلاتهم، فضلاً عن الضغوط المستمرة الناجمة عن هذه السياسات.
تؤكد التحليلات على أن ما يجري يعد تأسيسًا لـ “دولة المستوطنين” في الضفة الغربية. مع وجود أكثر من 204 مستوطنة و270 بؤرة استيطانية، يُقدر عدد المستوطنين بحوالي 960 ألف شخص. تمتد السيطرة الإسرائيلية على أراض مساحتها تُقدر بنحو 210 كيلومترات مربعة، ما يُظهر النية الإسرائيلية في استمرار التوسع الاستيطاني. تشير البيانات إلى أن المناطق الهشة التي يسيطر عليها الفلسطينيون ستتحول إلى جزر معزولة في حالة استمرار هذا الوضع دون تدخل دولي.
في ظل هذه التطورات، يتطلب الوضع الدولي اتخاذ مواقف حاسمة لضبط الاستيطان، وإعادة النظر في الخطط الرامية إلى تحقيق حل الدولتين. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإنه من المرجح أن يسعى المستوطنون إلى السيطرة على 40٪ من الضفة الغربية، مما يعزز من فكرة إقامة دولة منفصلة لهم على حساب الحقوق الفلسطينية. الآراء تشير إلى أن هذه الاستراتيجيات، إذا لم تُعيق، ستؤدي إلى واقع جغرافي واجتماعي جديد يعمق الفجوة بين المجتمعات ويزيد من تعقيد الحلول السلمية.