|

انتهت الحرب العالمية الثانية سنة 1945، لكن آثارها ظلت محفورة في ذاكرة البشرية، ليس فقط بما جرفته من أرواح، بل أيضا بما خلفته من دمار طال البنى التحتية والمدن الكبرى من طوكيو شرقا إلى برلين غربا، مخلفا مدنا مدمرة وأجيالا تنوء بإرث ثقيل.

وبلغ الدمار في اليابان ذروته بإلقاء أولى القنابل الذرية في التاريخ، في سابقة لا تزال موضع جدل أخلاقي وسياسي حتى اليوم.

هيروشيما كانت مستودع أسلحة ومركزا صناعيا كبيرا وبلغ عدد سكانها أكثر من 318 ألف نسمة (غيتي)

ففي السادس من أغسطس/آب 1945، ألقت الولايات المتحدة القنبلة الذرية الأولى “الولد الصغير” على هيروشيما، متسببة بدمار شبه كامل للمدينة، حيث تساقطت المباني وتبخرت أجساد آلاف من المدنيين في لحظة خاطفة.

وبعد 3 أيام، استُخدمت القنبلة الثانية “الرجل البدين” فألقيت على مدينة ناغازاكي، موقعة 39 ألف قتيل و25 ألف جريح.

1945: The devastated city of Nagasaki after the US atomic bombing of the Japanese city on 9th August 1945. (Photo by MPI/Getty Images)
ناغازاكي المدمرة بعد القصف الذري الأميركي للمدينة اليابانية (غيتي)

المدينة الصناعية لم تصمد أمام الانفجار النووي، فانهارت منشآتها واكتست سماؤها بسحب مشعة، مما جعل الحياة فيها مستحيلة لأعوام لاحقة.

ولم تكن هيروشيما وناغازاكي وحدهما ضحايا القصف، فقد شهدت مدن أخرى مثل طوكيو موجات من القصف الجوي العنيف، أبرزها في مارس/آذار 1945 حين أُحرقت العاصمة اليابانية بقصف أميركي مكثف، خلّف قرابة 100 ألف قتيل في ليلة واحدة، وسوّى أحياء بأكملها بالأرض.

A view of the Japanese city of Yokohama after the 'Great Yokohama Air Raid' of 29th May 1945. A third of the city was destroyed when US B.29 Superfortress bombers attacked the city with incendiary bombs, killing an eastimated seven to eight thousand people. (Photo by Ben Heller/FPG/Hulton Archive/Getty Images)
يوكوهاما اليابانية ثاني أكبر مدينة بعد طوكيو سويت أحياؤها بالأرض وسقط الآلاف تحت الأنقاض والنار (غيتي)

وفي أوروبا، لم تسلم المدن الكبرى من الدمار الذي خلّفته الجبهات المتنقلة، والقصف الجوي المكثف، والاشتباكات الضارية بين دول المحور والحلفاء.

Badly damaged area, the result of Allied bombing raids, between Friedrich Hain and Lichtenberg in Berlin, Germany, May 1945. (Photo by PhotoQuest/Getty Images)
برلين سقطت تحت نيران الحلفاء والسوفيات ودُمرت أكثر من 70% من مبانيها بمعركة النهاية (غيتي)

فقد تحولت برلين، عاصمة ألمانيا النازية، إلى أنقاض نهاية الحرب، إثر حصار عنيف وقصف جوي استمر أسابيع، وبلغ حجم الدمار فيها أكثر من 70% من مبانيها، وقد فاق عدد القتلى المدنيين والعسكريين مئات الآلاف.

View of a US Army Red Cross ambulance threading its way over a makeshift bridge, and across the wreckage and devastation of the city of Lunebach, Germany, March 1945. (Photo by Office of War Information/Interim Archives/Getty Images)
ألمانيا كانت مركز اندلاع الحرب العالمية الثانية ودفعت ثمنا باهظا بانهيار مدنها وسقوط نظامها وتقسيم أراضيها (غيتي)

أما باريس، ورغم احتلالها من قبل النازيين عام 1940، فقد نجت من الدمار الواسع الذي لحق بمدن أوروبية أخرى، حيث انسحبت القوات الألمانية منها في أغسطس/آب 1944 دون قتال واسع، عقب انتفاضة المقاومة الفرنسية.

June 1944: A Liberator bomber of the Eighth US Army Air Force returns to its home base after bombing a German airfield near St Dizier, near the Marne River, in occupied France. (Photo by Keystone/Getty Images)
فرنسا عاشت تحت الاحتلال الألماني ورغم نجاتها من الدمار الكامل عانت القصف والدم (غيتي)

لكن مناطقها الريفية وخطوط النقل الحيوية تعرضت لهجمات وغارات متكررة طوال الحرب.

World War Two: destruction at the town of Saint-Cyr, in Western France, during the liberation of France from German occupation in the summer of 1944. Dated 20th Century. (Photo by: Ann Ronan Picture Library/Photo 12/Universal Images Group via Getty Images)
دمار بلدة سان سير غرب فرنسا أثناء التحرير من الاحتلال الألماني صيف عام 1944 (غيتي)

وفي المقابل، واجهت لندن موجات متكررة من القصف الجوي، عُرفت باسم “البليتز” (Blitz) والتي شنها سلاح الجو الألماني النازي بين عامي 1940 و1941، وأودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص، وتسببت في تدمير أحياء سكنية كاملة ومحطات قطارات ومستشفيات، مما أجبر الملايين من السكان على اللجوء إلى الملاجئ الأرضية.

A view east down the Thames towards smoke rising from fires in Surrey docks, following the first German air raid of the London Blitz, 7th September 1940. On the left is the Tower of London, and on the right is Tower Bridge. (Photo by Keystone/Hulton Archive/Getty Images)
لندن واجهت موجات من القصف النازي خلال “البليتز” فانهارت أحياؤها (غيتي)

وإلى جانب هذه المدن، طال الدمار الهائل مدنا أخرى مثل روتردام الهولندية، ووارسو البولندية، ولينينغراد السوفياتية (التي عرفت لاحقا باسم سانت بطرسبرغ).

The ruins of Warsaw after a sustained German attack. (Photo by Keystone/Getty Images)
وارسو البولندية اختفت تقريبا من الخريطة بعد انتفاضة 1944 ودمر أكثر من 85% من مبانيها (غيتي)

فقد شهدت وارسو تدميرا شبه كلي بلغ 85% من مبانيها بسبب الانتفاضة ضد الاحتلال الألماني عام 1944، بينما خضعت لينينغراد لحصار نازي استمر أكثر من 900 يوم، مما خلّف مجاعة ووفاة أكثر من مليون مدني.

circa 1945: Warsaw, in Poland, in ruins after the end of World War II. Part of the city had been turned into a Jewish ghetto by the Nazis, who later destroyed the entire ghetto and its inhabitants. (Photo by Keystone/Getty Images)
النازيون حولوا جزءا من مدينة وارسو إلى غيتو يهودي ثم دمّروا الغيتو بأكمله وسكانه لاحقا (غيتي)

و لم تكن الحرب العالمية الثانية مجرد صراع بين جيوش، بل كانت كارثة إنسانية وحضارية، اختُبرت فيها أقصى درجات العنف المسلح.

La flotte américaine de Pearl Harbor est en flammes, le 07 décembre 1941, après le bombardement massif de la base navale américaine à Hawaï par 360 avions japonais, qui provoquera l'engagement des Etats-Unis dans la seconde guerre mondiale. The US Pacific Fleet burns in its home base at Pearl Harbor in Hawaï after 360 Japanese warplanes made a massive surprise attack, 07 December 1941, which will end a long struggle on the part of isolationist forces in the US to stay out of the war. (Photo by AFP)
قاعدة بحرية أميركية في هاواي تتعرض لقصف ياباني (الفرنسية)

وقد محيت مدن بأكملها، ودفعت أجيال ثمن قرارات سياسية وتوسعية، غيرت خريطة العالم ومعها مصائر شعوبه.

ومع أن الحرب وضعت أوزارها في سبتمبر/أيلول 1945، فإن رائحة الرماد ما زالت تشهد على دمار لم تعرف البشرية له مثيلا حتى اليوم.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.