في تجمع انتخابي في بنسلفانيا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، توقعت الكثيرين أن يلتقي إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب بحماسة غير مسبوقة. ارتدى ماسك قميصًا يحمل شعار “احتلوا المريخ” وقبعة تحمل شعار “ماغا”، مؤكدًا على ولائه المتزايد لترامب، الذي لم يكن محبوبًا من قبله قبل عامين. حيث صرح ماسك بأن زمن ترامب قد انتهى، ونقد بشدة قدراته على القيادة. لكن المفاجأة كانت في تحول ماسك المفاجئ ليصبح واحدًا من أبرز مؤيدي ترامب، متجاوزًا حدود الدعم التقليدي من قبل رجال الأعمال للمرشحين الرئاسيين.
ومع تقدم الحملة الانتخابية، قام ماسك بدعم ترامب بشكل كبير، حيث أعلن عن تبرعه بمليون دولار يوميًا لأي ناخب مسجل في الولايات المتأرجحة يوقع على عريضة تدعم تعديلين دستوريين يتعلقان بحقوق حرية التعبير وحمل الأسلحة. لاقى هذا الأمر انتقادات واسعة على أنه يرقى لكونه رشوة للناخبين، حتى أن المدعي العام في فيلادلفيا قرر تحريك دعوى ضده. هذا التحول الكامل في مواقف ماسك، الذي اعتاد على التصويت للديمقراطيين، يثير علامات استفهام حول دوافعه الحقيقية وراء هذا الدعم الكبير لترامب.
حين ننظر في الأسباب المحتملة لهذا الانتقال، قد يكون الدافع الاقتصادي أحد العوامل المؤثرة. ماسك، كرواد الأعمال الآخرون، يسعى لتعظيم مصالحه التجارية. وقد جرت العادة أن يكون الديمقراطيون أكثر دعمًا للصناعات مثل السيارات الكهربائية، وهو ما يتعارض مع سياسات ترامب التي اتسمت بالعداء لتلك الصناعة. لكن مع ذلك، بدأ تيار من الأثرياء في وادي السيليكون ينحو نحو اليمين بسبب مواقف ترامب الاقتصادية العنيفة ضد التنظيمات الحكومية، والتي يرونها تعيق نمو أعمالهم. كما أن بعض الأثرياء بدأوا ينظرون إلى السياسات الديمقراطية كتهديد لمصالحهم، وهو ما قد يفسر ميل ماسك لدعم ترامب.
لكن الأسباب الاقتصادية وحدها ليست كافية لشرح هذا الدعم، ولا تفسر تمامًا كيفية حرق أشرعته مع الديمقراطيين. فقد تكون هناك أسباب ثقافية وشخصية أيضًا. في السنوات الأخيرة، عُرف ماسك بدعمه للأفكار اليمينية المحافظة، وقد تكون أحداث معينة في حياته الشخصية قد ساهمت في تشكيل رؤيته السياسية الجديدة. كان واحدًا من الداعمين لرموز المثلية حتى عام 2018، إلا أنه بدأ في التراجع عن ذلك بعد ما تعرض له من انتقادات بسبب إغلاق مصنع تسلا في كاليفورنيا، وهو ما اعتبره تدخلًا غير مقبول في أعماله.
تجعل هذه التغيرات من ترامب “مخلصًا سياسيًا” بالنسبة لماسك، حيث يرى أن وجود ترامب في سدة الحكم سيحد من انتشار الأفكار التي يعتبرها ضارة بالمجتمع، خصوصًا بعد أن تعرضت ابنته لتحول جنسي، الأمر الذي أرجعه ماسك لتأثيرات أفكار يسارية. وجد ماسك نفسه في موقف حيث ترامب، بمواقفه المضادة للأفكار التقدمية، يبدو الحصن الذي يمكن أن يقيه من ما يعتبره تهديدًا للأخلاق العامة والأسرة.
يمكن تلخيص حالة إيلون ماسك في الوقت الراهن، حيث يتداخل فيها الطموح الاقتصادي مع الأبعاد الثقافية والشخصية، مما يدفعه لتقديم دعم غير محدود لترامب في معركته الانتخابية. وما بين تطلعاته لرؤية المشاريع المستقبلية التي تتطلب دعمًا سياسيًا، ونواياه للرد على التجارب الشخصية المؤلمة، نجد أن ما يحصل هو أكثر بكثير من مجرد تحالف سياسي بين رجل أعمال ورئيس محتمل، بل يمثل تحولًا عميقًا في فهم ماسك لعالم السياسة والحكم وتأثير ذلك على حياته الشخصية والمهنية.