تعتبر سوريا واحدة من الدول الأكثر خطورة في العالم لعام 2024، وفقًا لمؤشر منظمة إدارة المخاطر الصحية والأمنية الدولية. بينما شهدت بعض أحياء العاصمة دمشق، وخاصة الأحياء الراقية في وسط وغرب المدينة، وفرة في الأمان النسبي بسبب وجود الأجانب والدبلوماسيين والشخصيات البارزة، فإن حي المزة، الذي يقع غرب العاصمة، كان يُعتبر من أكثر الأحياء أمانًا واستقرارًا قبل أن يصبح هدفًا متكررًا للغارات الإسرائيلية منذ بداية أكتوبر. لقد تصاعدت الضغوط والتوترات مع القصف الإسرائيلي المستمر، والذي أدى إلى حصد أرواح العديد من سكانه.
تسببت الغارات الإسرائيلية المتتالية في تدهور الوضع الأمني في حي المزة، مما دفع بعض السكان القدماء إلى البحث عن أماكن سكنية مؤقتة بسبب الخوف من تصاعد العنف. مع تزايد الاستهدافات في المنطقة، ارتفعت نسبة الطلب على العقارات للتخلي عن ممتلكاتهم، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، لوحظ ارتفاع كبير في عدد الإعلانات لبيع العقارات بأسعار أقل مما كانت تسمح به السوق سابقًا. يؤكد طلال، صاحب مكتب عقاري، هذه الملاحظة حيث أشار إلى زيادة الشقق المعروضة للبيع، وما زالت أسعارها تتراجع في أعقاب الهجمات الإسرائيلية.
تعتبر حالة حي المزة ممثلة للوضع القائم في دمشق، حيث يتواجد ضباط كبار في الحرس الثوري الإيراني، وكذلك شخصيات دبلوماسية وموظفون ينتمون كيانات إيرانية، مما يجعل هذا الحي هدفًا للغارات الإسرائيلية. ومع تصاعد الهجمات، اضطرت العديد من الأسر السورية للخروج من منازلها والبحث عن مناطق أكثر أمانًا. على سبيل المثال، تحدثت رغد، وهي واحدة من ضحايا القصف، عن لحظة الرعب التي عاشتها أثناء الهجمة التي دمرت منزلها، مما دفعها للانتقال إلى ضاحية قدسيا مع عائلتها.
بالتوازي مع ذلك، استمر الصراع في التأثير السلبي على الفعالية الاجتماعية والتجارية في حي المزة حيث شهدت الأنشطة الاقتصادية تراجعًا ملحوظًا. إن تزايد الضغوط الأمنية أثّر على عمليات البيع والنشاط التجاري في المنطقة، مما جعل المستثمرين والسكان الأصليين يعيدون تقييم الخيارات المتاحة لهم. ومن جانب آخر، يعيش النازحون في حالة من القلق المستمر من إمكانية العودة إلى ديارهم بعد أن تعرضت للمزيد من القصف والهجمات.
من خلال هذا السياق، تأتي الضغوط المالية كعامل إضافي يؤثر على حياة الأسر النازحة. فمثلًا، محمد تاج، النازح إلى ريف دمشق، يعاني من تكاليف استئجار شقة جديدة، وهو ما يعتبر عبئًا إضافيًا عليه وعائلته، الذين يشعرون بأن العودة إلى منازلهم في المزة مستحيلة في ظل الأوضاع الحالية. ومع هذا، يبقى الأمل لديهم في تحسن الأوضاع الأمنية ليتمكنوا من العودة إلى منازلهم رغم التحديات.
الواقع في حي المزة يعد عكاسًا للصراع الأوسع في سوريا، فتزايد الاستهدافات الإسرائيلية دليل على التوترات الإقليمية المتصاعدة والتي ألقت بظلالها على الحياة اليومية للمواطنين. يتأمل العديد الوضع الراهن ويتساءل عن مستقبلهم في ظل الغارات المستمرة وتدهور الوضع الأمني، مما يترك علامات استفهام كبيرة حول إمكانية إعادة بناء البلاد أو حتى عودة النازحين إلى ديارهم في المستقبل القريب.