في مكتب بسيط داخل مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، تعمل الطبيبة النفسية هدى أبو نمر بلا كلل للاستماع إلى مرضى الحرب وتقديم العلاج المناسب لهم. تُعتبر هذه العيادة الوحيدة في المدينة، مما يجعلها وجهة رئيسية لمئات المرضى من سكان خان يونس، الذين يعاني الكثير منهم من آثار الحرب الإسرائيلية المستمرة والتي أسفرت عن صدمات نفسية متعددة. تضطر الطبيبة إلى الاعتماد على مهاراتها وتقديم وصفات علاجية في ظل نقص حاد في الأدوية المتاحة، مما يؤثر سلباً على جودة الرعاية المقدمة.

تُظهر الحالات التي تستقبلها الطبيبة هدى تنوعًا كبيرًا من حيث العمر والجنس، وتشمل مرضى يعانون من صدمات نفسية حادة نتيجة لتجارب مرعبة مثل الاعتقال والتعذيب. من بين هؤلاء، نجد شابات فقدن أزواجهن أو أبناءهن بسبب الحرب، وأطفالاً يواجهون مشكلات مثل التبول اللاإرادي والقلق. هذه التأثيرات النفسية لا تقتصر فقط على الأفراد، بل تؤثر على الأسر بأكملها، مما يجعل الحاجة إلى خدمات الطب النفسي أمرًا ملحًا.

يزيد الوضع سوءًا بسبب نقص الأدوية المتخصصة لعلاج الأمراض النفسية، مما يدفع الطبيبة إلى استخدام “أدوية بديلة” غير مناسبة في كثير من الأحيان. تعاني حالات مثل حالة زياد، الذي فقد منزله وعائلته نتيجة الأعمال العسكرية، من التدهور النفسي بسبب عدم توفر العلاج المناسب. تأثيرات الحرب تتجلى بوضوح في تجاربه، حيث شهد تدمير منزله ونزوح عائلته، مما جعله يخشى من انتكاسات صحية بسبب عدم كفاية العلاج.

يؤكد الدكتور خليل شقفة، مدير الصحة النفسية المجتمعية، أن الوضع اجتاز حدود الأزمة. يُشير إلى أن هناك استهدافاً ممنهجاً للقدرات النفسية للمواطنين الغزيين من خلال حرمانهم من الأدوية الحيوية. ويظهر أن 40% إلى 60% من الأدوية الأساسية غير متاحة، بما في ذلك الأدوية النفسية، مما يجعل الشريحة الأكبر من المرضى معرضة لخطر تفاقم حالتهم الصحية.

الأوضاع في غزة تزداد تعقيدًا مع تدمير المرافق الصحية، حيث خرجت العديد من مراكز الصحة النفسية عن الخدمة، مما أدى إلى تفشي الأمراض النفسية في المجتمع. الأطباء والفنيون يعانون في ظل هذه الظروف القاسية، ولا يملكون أي إمكانيات لمساعدة المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية مستمرة. تتزايد المخاوف بشأن المرضى المنكوبين، الذين أصبحوا في كثير من الأحيان غير قادرين على التحكم في سلوكياتهم، وقد يتسببون في أذى للآخرين.

ختامًا، إن استهداف الخدمات النفسية وتجريد المواطنين من دعم الحياة يخلق حلقة مفرغة من الألم والمعاناة في غزة. يتطلب التعامل مع هذه الأزمة جهداً مستمرًا من المجتمع الدولي والمحلي لتوفير الأدوية والدعم اللازم للمعالجة النفسية. تظهر تجارب الأفراد مثل هدى وزياد مدى تأثير الحروب والعنف على الصحة النفسية للأفراد، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى توفير الخدمات والدعم النفسي لنزع فتيل الألم الجماعي الذي تشهده المنطقة.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version