بعد مرور حوالي 32 شهرًا على الحرب الروسية في أوكرانيا، لا تزال مشاهد النزاع تشير إلى عدم وجود نهاية قريبة أو انتصار حاسم. فالدعم الغربي المستمر لكيف، سواء كان من ناحية الأسلحة أو التمويل، لم يسهم في إحداث تغيير جوهري في ميزان القوى أو في استعادة الأراضي. بدلاً من ذلك، بدأ الهدف الغربي لطرد القوات الروسية يتراجع، ليحل محله اقتناع العديد من العواصم الغربية، بما في ذلك كييف، بضرورة البحث عن تسوية سياسية تتيح لأوكرانيا الاحتفاظ بالأراضي التي تحت سيادتها مع الاعتراف بالأمر الواقع. هذه المناقشات تعكس قناعة متزايدة بأن الوضع الحالي قد يستمر لفترة طويلة.

الواقع الأوكراني على الأرض يعكس عدة عوامل تؤيد هذا الاتجاه. فقد وصل استنزاف القوات الأوكرانية إلى مستويات حرجة خاصة على الجبهة الشرقية، مما أثّر على قدرتها العسكرية في وقت يواجه فيه البلد شتاءً قارساً بعد فقدان حوالي نصف إمكانياته لإنتاج الكهرباء بسبب الهجمات الروسية. كما لوحظ تحول في اتجاهات الرأي العام الأوكراني، حيث أظهر استطلاع حديث أن 57% من المشاركين يرون ضرورة الدخول في مفاوضات سلام مع روسيا. هذه المعطيات تحمل في طياتها الكثير من الإشارات نحو إمكانية قبول تسوية سياسية على المدى القريب.

من ناحية أخرى، تشير التقارير إلى أن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يسمح للكرملين بالحفاظ على السيطرة الفعلية على المناطق المحتلة، مع إتاحة الفرصة لأوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو أو الحصول على ضمانات أمنية مماثلة. لا يعد الانضمام إلى الناتو مجرد خيار سياسي، بل يمكن أن يمثل مرونة استراتيجية لأوكرانيا. لكن هناك حالة من عدم اليقين تكتنف هذا السيناريو، حيث أن موسكو لا تضمن أن الرئيس الروسي سيقبل بهذا الاتفاق، خاصة عندما تحقق قواته مكاسب جديدة على الأرض.

مع ذلك، لا تزال الحرب تجلب تحديات كبيرة للعديد من الأطراف، بما في ذلك الغرب. على الرغم من تصعيد التفكير العسكري في أوكرانيا، إلا أن خطة “النصر” التي تم الحديث عنها من قِبَل الرئيس الأوكراني لم تحظَ بإجماع من قبل الحلفاء الغربيين. الدعم الغربي مطلوب لتوسيع نطاق الأسلحة والأموال، لكن السلوكيات المعاكسة أو الشكوك يمكن أن تعيق هذا المسار. حيث تساءل بعض المحللين عن التفاؤل المفرط في تصريحات زيلينسكي، بينما لم تقدم الحكومات الغربية تأكيدات ملموسة لدعم أهدافه.

من ناحية أخرى، أثبتت القمة الأوروبية الأخيرة أن المنظور العام لا يزال محدوداً، حيث تم التركيز أكثر على تعزيز الدفاعات الأوكرانية بدلاً من توفير الدعم الهجومي. كما أكد المجلس الأوروبي التزامه بتقديم الدعم المستمر، ولكنه لم يشر إلى استراتيجيات هجومية جديدة ضد روسيا. وفي الوقت نفسه، تحث كييف الغرب على الإسراع في دعمها لأنه يعتبر عاملًا رئيسيًا في تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات العسكرية.

في خضم هذه الأجواء، تظهر حاجة ملحة على مستوى التخطيط الاستراتيجي الأوروبي. من المحتمل أن تصبح أوكرانيا بمثابة ترسانة مستقبلية للاتحاد الأوروبي، مما يعزز من قدراتها الإنتاجية في مجال الأسلحة. يشعر المحللون بالقلق من أن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، خاصة مع احتمال عودة ترامب، قد تؤدي إلى تسوية سريعة وغير متوازنة قد تهدد الأمن الأوروبي. لذا، يعد الاندماج الكامل لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي مسألة حيوية لتعزيز الأمن وتحقيق استقلال اقتصادي بعيد المدى عن روسيا.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.