تعيش مدن الجنوب اللبناني في حالة من الهدوء المشوب بالخوف، حيث تراجعت حركة السكان والتجارة في ظل تصاعد القلق الناجم عن الهجمات الإسرائيلية المستمرة. يتكدس الناس في الملاجئ والجبال هربًا من الصواريخ، مما ألقى بظلاله على حياة اللبنانيين بشكل كبير. ذكرت الصحفية روث مايكلسون في تقريرها للغارديان أن هذا الجيل الجديد في لبنان يواجه واقع الخوف المستمر من القصف، حيث سردت تجارب مريرة لمواطنين تعكس أثار الحرب على المجتمع. وقد تفاعل اللبنانيون مع حالة الرعب التي يعيشونها، مما يشير إلى تأثيرات سلبية عميقة على حياتهم اليومية.
تتجلى ملامح القلق في قصص أبناء عمومة، نادر إسماعيل ولين ناصر، الذين فروا من الضاحية الجنوبية لبيروت بحثًا عن ملجأ في منطقة عاليه. بيد أنهم وجدوا المكان مكتظًا بالأقارب، مما اضطرهم إلى العودة مؤقتًا إلى بعبدا، حيث ازدادت مخاوفهم من الضربات الإسرائيلية. كانت لحظات الرعب تجعلهم يشعرون بموجات الضغط الناتجة عن الانفجارات، وهو ما يعكس شعورهم باللا يقين الذي يسيطر عليهم وعلى الكثير من اللبنانيين. وقد أصبح القصف شبه يومي لدرجة أنه من الصعب التكيف معه، رغم محاولاتهم المتكررة.
بالانتقال إلى التحديات التعليمية، فإن نادر ولين يواجهان صعوبات كبيرة في التكيف مع الأوضاع الجديدة. قلق لين من قرب حرمها الجامعي من مناطق القصف وتأجيل بداية العام الدراسي، يعكس التأثير المباشر على التعليم جراء التصعيد المستمر. يعيش نادر أيضًا في بيئة مشحونة بالتوتر، مما جعل التعليم عن بعد مهمة معقدة في ظل هذه الظروف، حيث يشكل سماع دوي الانفجارات عائقًا حقيقيًا أمام عملية التعليم.
كما أبدت التقارير معاناة أصحاب المحلات التجارية في ظل الظروف الحالية، حيث تراجع النشاط التجاري بشكل ملحوظ. منصور عزيز، صاحب مطعم وحانة مزيان، أفاد بأن مبيعات مطعمه في منطقة الحمرا قد تراجعت بنسبة تصل إلى 80% خلال العام الماضي. هذا الانخفاض في الإيرادات ينذر بوجود تبعات سلبية على الاقتصاد اللبناني بشكل عام، حيث أن الناس بدأت تفضل البقاء في منازلها تجنبًا للأخطار والهيمنة المستمرة للأخبار حول الحرب الإسرائيلية على غزة.
تتجاوز تداعيات الحرب الجوانب الاقتصادية لتصل إلى جوانب الهجرة أيضًا، حيث تتجه الطبقات المتوسطة والمخملية نحو مغادرة البلاد، بحثًا عن ملاذ آمن. فقد نقلت التقارير عن معلومات تفيد بمغادرة حوالي 100 من أعضاء نادي رياضي في الأشرفية، مما يعكس ظاهرة هجرة ذات دلالات عميقة على مستقبل البلاد. يضاف إلى ذلك، أن أكثر من مليون شخص قد تم تهجيرهم من جنوب لبنان وبيروت، حيث أصبحوا بلا مأوى ويفترشون الملاجئ المؤقتة.
في الختام، يعكس الوضع الراهن في لبنان حالة من عدم الاستقرار تتجلى في جميع جوانب الحياة. أثرت الحملات العسكرية على التعليم، الاندماج الاجتماعي، والنشاط الاقتصادي، مما ينذر بأن الأفق القريب ليس مبشرًا. إذ يستمر اللبنانيون في مواجهة أوقات عصيبة، آملين في تحقيق حالة من الاستقرار والعودة إلى الحياة الطبيعية، لكن ذلك يحتاج إلى جهود جماعية وإجراءات فعالة للتصدي لتداعيات الحرب المستمرة.