في 25 يونيو/حزيران 2006، في الساعة 5:15 صباحًا، شهدت شرق مدينة رفح في قطاع غزة عملية عسكرية، حيث اقترب ثمانية مقاتلين من كتائب القسام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام من موقع كرم أبو سالم العسكري للجيش الإسرائيلي عبر نفق. قسّم هؤلاء المقاتلون أنفسهم إلى ثلاث مجموعات، استطاعت إحداها تفجير الدبابة، وأخرى تدمير ناقلة الجند، والثالثة تدمير البرج. لقد كانت هذه العملية مؤشراً على تغييرات جديدة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث تم أسر الجندي جلعاد شاليط، ما أدى فيما بعد إلى صفقة “وفاء الأحرار” وتحرير ألف أسير فلسطيني بعد خمس سنوات من الأسر. هذه الأحداث لم تكن فقط بداية عملية الأسر، بل شكلت نقطة تحول في مستقبل المقاومة الفلسطينية وعلاقتها مع الكيان الإسرائيلي.

قبل هذه الأحداث، كان قطاع غزة مركزًا هاما للمقاومة الفلسطينية منذ النكبة عام 1948، عندما تم تقسيمها إلى منطقتين: قطاع غزة الذي خضع للإدارة المصرية، وغلاف غزة الذي تحول إلى مستوطنات إسرائيلية. منذ ذلك الحين، بدأت الأنشطة الفدائية انطلاقاً من غزة، بهدف شن الهجمات ضد الاحتلال، وخاصة من قبل ضابط المخابرات المصرية الشهيد مصطفى حافظ وبعض الفصائل الفلسطينية. حتى احتلال عام 1967، حيث تم استيلاء “إسرائيل” على القطاع بالكامل، توالت العمليات الفدائية والإضرابات ضد الاحتلال، مما ساهم في تشكيل الهوية الكفاحية للقطاع.

بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2005، بدأ التفكير في استراتيجيات جديدة في مواجهة الاحتلال، وبرزت فكرة نقل المعركة إلى داخل مستوطنات “غلاف غزة”. قاد هذه الفكرة مروان عيسى، نائب القائد العام لكتائب القسام، الذي أكد التحول في استراتيجية المقاومة تجاه الحرب. تم إعداد مجموعات خاصة في كتائب القسام لتنفيذ عمليات استهداف للمستوطنات، ومعها تكثيف التدريب والمراقبة استعدادًا لمواجهات مستقبلية. استطاعت هذه العمليات تعزيز القدرات القتالية للفصائل الفلسطينية، مما أسهم في تحسين استعدادهم للمواجهة المباشرة مع الاحتلال.

شهدت السنوات التالية وبعد عملية “الوهم المتبدد” تطورًا ملحوظًا في نمط الاشتباك، حيث تم تنفيذ العديد من العمليات الهجومية خلف خطوط العدو. استمرت المقاومة في تعزيز قدراتها، مما أدى إلى تحضيرات كبيرة لعمليات عسكرية مثل معركة “العصف المأكول” عام 2014، التي كانت علامة فارقة في التعامل مع الاحتلال. هذه المعركة شهدت تنفيذ عمليات عسكرية غامرة داخل الأراضي المحتلة، وكسر مفاهيم “السياج الفاصل”. استمر العمل على تطوير تكتيكات العمليات التي تضمنت اشتباكات بحرية وهجومية.

مسيرات العودة التي بدأت في 30 مارس/آذار 2018، خاصةً في ذكرى يوم الأرض، قدمت فرصة للعديد من الفلسطينيين للاقتراب من السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة. استخدمت هذه المسيرات كوسيلة لكسر الحصار والتعبير عن حق العودة. ارتفعت حدة الاشتباكات مع قوات الاحتلال، وتم تشكيل وحدات ميدانية اضطلعت بمسؤولية المواجهات وتطوير أساليب جديدة للتواصل المباشر جهًا لوجه مع الجيش الإسرائيلي على الحدود. وقد أثرت هذه المسيرات بشكل كبير على مجريات الأحداث وتعزيز الوعي الجماهيري بالقضية الفلسطينية.

في النهاية، يمثل ما يقارب 75 عامًا منذ النكبة نقطة تحول جذرية في الصراع، حيث شكلت بداية للعمليات والمعارك التي تهدف إلى استعادة الحقوق الفلسطينية. مع بدء التحضيرات للحوادث الكبرى في الفترة الأخيرة، كانت هناك ضغوط متزايدة لفهم السياق التاريخي الذي نشأ منه الصراع. إذ كان هذا الفهم مشجعًا على تجديد الأمل في العودة، مع تأكيد على أهمية القوة الجماعية للمقاومة وتأصيل الوجود الفعلي على الأرض، من أجل تحويل الحلم بالعودة إلى واقع ملموس.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.