في 7 أكتوبر 2023، ألقى محمد الضيف، القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، خطابًا حول “عملية طوفان الأقصى” التي أطلقتها حماس. تناول الضيف التهديدات المتزايدة من الجماعات الاستيطانية اليهودية تجاه المسجد الأقصى والقدس، بالإضافة إلى مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية التي أرست سياسة التطبيع مع العرب. البيئة السياسية والاجتماعية في فلسطين تدهورت نتيجة لتجاهل قضايا الأسرى واعتداءات الاحتلال، مما دفع المقاومة للشعور بخطر وجودي يستهدف الهوية الفلسطينية. وقد أضاف الضيف أن عمليات التطبيع العربي مع “إسرائيل” تمثّل خطرًا على النضال الفلسطيني، حيث يسعى الاحتلال إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتصفية هويتها.
شهدت “إسرائيل” تحولًا يمينيًا متطرفًا في السنوات الأخيرة، فبعد أن كانت شعارات بعض الجماعات الدينية المتطرفة في السابق مجرد دعوات هامشية، أصبحت اليوم جزءًا من سياسات الحكومة التي يقودها بنيامين نتنياهو. تأتي هذه السياسات في ظل تعزيزات مالية وأمنية تستهدف مأسسة الاستيطان في الضفة الغربية، بينما تستمر الضغوط على المقدسيين والفلسطينيين داخل “إسرائيل”. وقد استثمرت الحكومة في دعم مشاريع الاستيطان، مستغلة التفكير اليميني المتطرف لتعزيز السيطرة على الأراضي وطرد الفلسطينيين، ما يعكس تحولًا كبيرًا في التفكير الاستراتيجي للإحتلال.
لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الحكومة الإسرائيلية الحالية في تشريع الممارسات الاستيطانية، حيث تعطى الأولوية لوزراء أقوياء في الحكومة بغرض وضع استراتيجيات لتحقيق الأهداف الأيديولوجية المتطرفة. باتت القوانين التي تستهدف تهويد الأقصى جزءًا من برامج العمل الحكومية، مما يعبر عن تغيير كبير في الواقع الذي قد اسُس من قبل حركات دينية متطرفة. تضاف إلى ذلك عمليات اقتحام الأقصى التي تندرج في إطار استراتيجيات حكومة اليمين، ما يجعل من هذه البيئة منصة للتوتر المستمر والمواجهة مع الفلسطينيين.
في الأثناء، اتبعت “إسرائيل” استراتيجيات هجومية تجاه غزة، فبعد معركة “سيف القدس”، كانت إسرائيل تسعى لاختبار قدرات المقاومة عبر استهداف حركة الجهاد الإسلامي، تمهيدًا لعزل حماس عن المعركة. ورغم الوقع السلبي الذي أحدثته هذه الضغوط على حماس، إلا أن الحركة تمكنت من إظهار قدرتها على الحفاظ على قواعد الاشتباك الخاصة بها، حيث استثمرت في إعادة بناء حالة الوصل بين مختلف الفصائل الفلسطينية. الأزمة السياسية الإسرائيلية استُغلت من قبل حماس لتقوية موقفها، مما ساهم في تصعيد الاستعدادات لعملية “طوفان الأقصى”.
موجة من التطبيع العربي مع “إسرائيل” تأتي في ظل تراجع الموقف العربي التقليدي، مما يزيد من المخاطر على القضية الفلسطينية. تسعى القوى المحيطة للتركيز على العلاقات الثنائية مع “إسرائيل” بدلاً من الالتزام بالقضية الفلسطينية، وتحويلها لقضية إنسانية. وقد ساهمت المشهد السياسي المتغير في منح “إسرائيل” الوضعية الأمنية التي تسعى لتحقيقها، مما يوفر بيئة مثالية لتطويق المقاومة الفلسطينية وتهميش القضية.
في مواجهة هذه التحولات، تمكنت المقاومة الفلسطينية في غزة من تعزيز قدراتها العسكرية وتعزيز وضعها في الساحة الفلسطينية. حيث أظهرت استراتيجيات حماس حركة متقنة في الاستعداد لعملية “طوفان الأقصى”، بينما كانت القوى السياسية الأخرى، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، في وضع ضعف يؤثر سلبًا على الوحدة الوطنية. عملية 7 أكتوبر كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ سكبت حماس الماء على النار المشتعلة، وغيرت مجرى الأحداث في المنطقة بشكل جذري، محاطة بخطر تزايد القوات المعادية.
الواقع الجديد يفرض تحديات عديدة على الفلسطينيين في ظل استمرار الاحتلال، لكن ما تقوم به حماس يعكس حالة من العزم والإصرار على مواجهة كل سياسات التصفية المتبعة. “طوفان الأقصى” لم يكن مجرد اعتمادات عسكرية أو سياسية، بل نظرية عمل تنبأت وحصلت على صدى واسع لضرب الاحتلال في مقتل. الظروف الراهنة تشير إلى استمرار الصراع وغياب حلول ممكنة في المستقبل المنظور، مما يجعل الوضع يتجه نحو مزيد من التعقيد.