في فجر يوم السبت 26 أكتوبر 2023، شنت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية على مواقع عسكرية في إيران، مستهدفة العاصمة طهران ومدينة كرج بالإضافة إلى أهداف في محافظتين إيرانيتين. جاء ذلك بعد أسابيع من التصعيد الكلامي الإسرائيلي ضد إيران، على ضوء الرد الإيراني المتمثل في هجوم صاروخي سابق. رغم الأجواء المتوترة، فإن الهجوم الإسرائيلي جاء متواضعاً مقارنة بالتهديدات السابقة، مما أثار انتقادات داخل إسرائيل ومنح السلطات الإيرانية فرصة لتقليل تأثيره. هذه الضربة أسهمت في تقليل احتمال تصعيد النزاع المباشر بين الجانبين، كما فتحت الباب أمام تراجع حدة الاشتباكات، لا سيما في ظل انشغال إسرائيل على جبهات متعددة كغزة ولبنان.
يتضح من الضربة أن إسرائيل أرادت أن تثبت قدرتها على الوصول العميق إلى الأراضي الإيرانية دون دفع تكاليف باهظة. من جهتها، يمكن لإيران أن تؤكد أنها قادرة على تهديد إسرائيل إذا تم تجاوز خطها الأحمر. وفاز الأميركيون في تلك الجولة بتجنب الحرب العسكرية على أراضيهم، وبقيت الأسئلة حول أسباب اختيار إسرائيل هذا التصعيد المحدود.
في الأيام التي سبقت الضربة، بدت المواجهة كأنها جولة شطرنج يتحتم فيها على كل طرف الرد بذكاء على تحركات خصمه. أظهرت الهجمات الإيرانية الأولى استعداد إيران لتوسيع نطاق ردودها العسكرية دون التصعيد بشكل مفرط؛ مما أجبر إسرائيل على تقديم رد مختار بعناية ولم يكن كما توقع الكثيرون.
جاء الهجوم الإسرائيلي على مدار أربع ساعات، واستهدف 20 موقعاً عسكرياً، لكنه تجنب توجيه ضربات للمنشآت النفطية والنووية الحيوية، وهو ما يعد نوعاً من الحذر أمام التكهنات بقدرة إيران على الرد العنيف. تلك الضربات قد تكون معدة لإيصال رسائل سياسية، حيث تم إبلاغ إيران عن الأهداف والمخاطر المحتملة حال القيام بأي رد على الهجوم.
العوامل الخارجية، وعلى رأسها الضغوط الأميركية، كانت حاضرة في اتخاذ قرار إسرائيل بالامتناع عن التصعيد الكبير. الولايات المتحدة أظهرت حرصها على عدم انفلات الأوضاع لمواجهة عسكرية كارثية، وهذا الأمر تجلى في تحذيرات بايدن لنتنياهو من إلحاق الضرر بالمنشآت الإيرانية الرئيسية. لذا، فإن النزاع بين الجانبين سيتأثر بشدة بالاستراتيجيات والتحركات الأميركية، ما جعل إسرائيل تحرص على ضبط النفس والتفكير في العواقب.
التعقيدات الجيوسياسية وعواقب أي هجوم شنه أي من الطرفين، أخيراً، تعكس مدى قلق الولايات المتحدة أملاً في تخفيف حدة التوترات. بالرغم من تفوق إسرائيل العسكري، إلا أن الحرب مع إيران تعتبر مغامرة غير مضمونة العواقب، مما جعل القيادة الإسرائيلية تشعر بالحذر، حيث أن توسيع النزاع يتطلب استراتيجيات تتجاوز الأساليب التقليدية المتبعة.