تواجه القارة الأفريقية تحديات هائلة تتعلق بالصراعات المستمرة، وانعدام الأمن، والأزمات السياسية والإنسانية، فضلاً عن التاريخ الاستعماري، مما يؤثر على الصحة النفسية للعديد من المجتمعات. تشير الإحصائيات المروعة إلى أن أفريقيا لديها واحد من أعلى معدلات الانتحار في العالم، حيث يُقدم 11.2 شخصًا من كل 100 ألف نسمة على إنهاء حياتهم سنويًا، مع تسجيل بعض الدول مثل ليسوتو وجنوب أفريقيا وزيمبابوي أعلى المعدلات. تتجاوز هذه الظاهرة الأبعاد الفردية لتكون جزءًا من مشكلة صحية عامة تحتاج إلى اهتمام أكبر من الحكومات والمؤسسات الصحية.

تعتبر منظمة الصحة العالمية أن الانتحار هو أحد التحديات الكبرى في الصحة العامة في أفريقيا، حيث يُنظر إلى الوقاية منه كأحد الأولويات القليلة. وعلى الرغم من أن بعض الدول مثل أوغندا تخصص نسبة ملحوظة من ناتجها المحلي الإجمالي للصحة العامة، إلا أن الجزء المخصص للرعاية النفسية والعقلية غالبًا ما يكون ضئيلاً جدًا، مما يجعل من الصعب على الأفراد الحصول على الدعم النفسي والعلاج. بحسب تقارير، لا يتجاوز هذا الجزء 1% في بعض الحالات. ويعكس هذا نداءً ملحًا لتكثيف الجهود والاستثمار في مجال الصحة النفسية.

يتجاوز تأثير تدني الصحة النفسية الأفراد ليشمل العائلات والمجتمعات، خاصة في سياق المجتمعات التي تعرضت لصدمات تاريخية مثل الاستعمار. تعكس نتائج الأبحاث في الدول الأفريقية أن مجتمعات النازحين وذوي الاضطرابات النفسية تعاني بمعدل مرتفع من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. على سبيل المثال، تشير دراسة من جامعة نيروبي إلى أن أكثر من 39% من المجتمعات في كينيا وأوغندا تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، مما يسجل ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات القلق والاكتئاب.

تتعقد المشكلة بسبب نقص تمويل الخدمات النفسية المخصصة، حيث يُنفق متوسط 50 سنتا أمريكياً فقط على الصحة العقلية لكل فرد في الدول الأفريقية، بينما يتم توصية بمعدل إنفاق يتجاوز 2 دولار. إلى جانب ذلك، يعاني القطاع الصحي من نقص حاد في الكوادر المتخصصة. فمعدل الأطباء النفسيين لا يتجاوز 0.1 طبيب لكل 100 ألف شخص، مما يتطلب إجراءات فورية وعاجلة لتعزيز قدرات الرعاية الصحية النفسية.

في ظل هذه التحديات، تسعى منظمة الصحة العالمية لدعم الدول الأفريقية في تحسين وتعزيز نظام الصحة النفسية. وتركز على خطة العمل الشاملة التي تهدف لتحسين الخدمات الصحية العقلية بحلول عام 2030، والتي تستوجب تكامل الدعم النفسي والاجتماعي ضمن خطط مواجهة الأزمات الصحية المستقبلية. ومع ذلك، تشير الأرقام إلى أن أقل من ثلث الدول الأفريقية قد تمكنت من دمج هذه الجهود ضمن نظمها الصحية.

تعتبر تنزانيا مثالًا يحتذى به في جهود رعاية الصحة النفسية. إذ أطلقت الحكومة “حواراً وطنياً للصحة العقلية” بهدف خلق بيئة مواتية لتعزيز الصحة النفسية، كما أضافت تحسينات ملحوظة في التمويل والخدمات المقدمة. بفضل النمو الاقتصادي المتزايد وإمكانية الوصول إلى خدمات الصحة العقلية عبر العيادات والمستشفيات، تزداد فرص تحسين الأحوال الصحية للعاملين في هذا المجال، على الرغم من أن نقص المتخصصين يبقى تحديًا مستمرًا.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.