بعد مرور عام كامل من الحرب على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعرض الخبير العسكري فايز الدويري تحليلاً عميقاً للمواجهات التي شهدتها المنطقة، ويرسم مشهداً واضحاً لمسار الأوضاع العسكرية واستراتيجيات فصائل المقاومة، خاصة حركة حماس، في مواجهة الجيش الإسرائيلي. يرى الدويري أن “طوفان الأقصى” كان حدثاً حتمياً، ويؤكد أن لو لم يحدث تكتيك “السابع من أكتوبر”، لكانت إسرائيل قد افتعلت حدثاً لمواجهة حماس. يوضح الدويري أن هذه الحرب تعد سابقة تاريخية في صراع عربي إسرائيلي، حيث استنزفت إسرائيل لفترة طويلة ولم تستطع أن تحقق انتصارات سريعة كما جرت العادة في النزاعات السابقة.
كما يستعرض الدويري المؤشرات التي شهدتها الساحة الفلسطينية قبل “طوفان الأقصى”، مُشيراً إلى تراجع القضية الفلسطينية على جدول الأولويات العربية وتنامي مشاريع التطبيع والتوسع الاستيطاني. كان الوضع ينذر بكارثة حقيقية، حيث كان الفلسطينيون قد يواجهون خطر فقدان أراضيهم بالكامل، مما جعل من الضرورة إشعال فتيل المقاومة. يتحدث الدويري عن عدم توقعه الحرب تستمر لمدة عام، رغم وجود تخوفات من أن الأمور ستؤول إلى عنف طائفي قد يستمر لفترات طويلة.
يسلط الدويري الضوء على المراحل المفصلية في الحرب، معتبراً أن كل يوم يمثل مرحلة مستقلة. تنقسم المراحل إلى عدة فترات، حيث انطلقت المرحلة الأولى من الصراع في “السابع من أكتوبر” وتوالت بعدها عمليات القصف الجوي على غزة، تبعتها عمليات برية. يشير إلى أن هذه الحرب تميزت بشدتها وعمقها، حيث كل مرحلة حملت معها ضغوطات جديدة وتبدلات في استراتيجيات القتال، خاصة ما يتعلق بالهجمات البرية والمعارك في المدن والمخيمات.
فيما يتعلق باستراتيجية حماس في إدارة المعركة، يصف الدويري الوضع بأنه حرب غير متكافئة، حيث تتفوق قوة الجيش الإسرائيلي تقنياً وعسكرياً بشكل كبير. ومع ذلك، تؤكد المقاومة الفلسطينية أنها قاومت الفكرة الإسرائيلية، وأن الأجيال القادمة ستستمر في النضال من أجل حقوقهم. يبرز أن بناء القدرات القتالية وتحسين خطوط الإمداد اللوجستية كانت جوانب أساسية للبقاء على قيد الحياة في مثل هذه الحروب الطويلة. ورغم إنجاز المقاومة، يؤكد الدويري أنها لم تتوقع استمرار الحرب بهذه الشدة أو غياب الدعم العربي.
وعلى صعيد الجبهة الشمالية، يتحدث الدويري عن اختراق حزب الله في لبنان وتداعيات ذلك على الحرب في غزة. يعتبر أن حزب الله كان لديه اختراقات خطيرة لم تؤثر فقط على قيادته وإنما أيضاً على استراتيجياته، مشيراً إلى تكرار حالات الاغتيال وعدم الاستفادة من التجارب السابقة. فالموقف المعقد لحزب الله في مواجهة التحديات المتعددة جعله في وضع حرج: معادلة الردع غير القابلة للتحقيق مع الحاجة لتجنب تصعيد أكبر.
ختاماً، يتذكر الدويري عبارة “حلل يا دوري” كرمز لقوة المشهد العسكري خلال هذه الحرب. هذه العبارة، التي ردّدها مقاتلون فلسطينيون في لحظة انتصار، تعكس روح الكرامة والمقاومة التي تميزت بها هذه المرحلة من القتال. يشير إلى أن هذه اللحظة كانت لحظة عز وفخر، داعماً فكرة أن الحرب ليست فقط قتالاً عسكرياً، بل هي أيضاً صراع إرادات وتاريخ.