تعيش إيطاليا حالة من التوتر السياسي والاجتماعي حول إدارة ملف الهجرة، حيث تعرّضت القاضية سيلفيا ألبانو، التي تترأس قسم الهجرة بمحكمة روما، لسلسلة من التهديدات بالقتل بعد قرارها عدم المصادقة على ترحيل 12 مهاجرًا إلى مراكز الترحيل في ألبانيا. وقد جاء موقف ألبانو على خلفية قناعتها بعدم وجود معايير ثابتة لتصنيف الدول كدول آمنة، مما أدى إلى تصعيد الوتيرة بين الحكومة اليمينية بزعامة جورجيا ميلوني واليسار المعارض. ونتيجة لهذا الصراع، تحمل ألبانو لقب “قاضية المهاجرين” بعد أن انتقدت سياسات الترحيل القائمة، مما أثار قلقًا على أمنها الشخصي وأدى إلى تضامن واسع مع القضية من قبل نخب سياسية وقانونية.
وصلت التوترات ذروتها قبل الاحتفال بذكرى مرور عام على حكومة ميلوني، حين تم الإعلان عن اعتزامها إيجاد وسيلة قانونية لتسهيل ترحيل المهاجرين من البحر مباشرة إلى ألبانيا. وقد جاءت هذه الخطوة في سعي الحكومة للتغلب على قرارات القضاة، حيث أشارت الأستاذة الجامعية أنجيلا فيراريز زومبيني إلى أن الحكومة قامت بتعديل قائمة الدول الآمنة لتحقيق أهدافها السياسية. وهذا يوضح أن الحكومة تسعى لاستبعاد أي عوائق أمام سياستها في إدارة الهجرة، مما يعكس طبيعة الصراع بين السلطة القضائية والسياسية.
يرى المدعي العام في محكمة النقض، ماركو باتارنيللو، أن الهجوم الحالي على القضاء أكثر خطورة مما كان أثناء حكم سلفهم سيلفيو برلوسكوني، مؤكداً أن ميلوني تعمل على إعادة هيكلة النظام القضائي لأسباب سياسية. وقد سلطت هذه التطورات الضوء على الاستغلال المتزايد للأمن القومي في الممارسات السياسية، حيث تتهم الحكومة القضاة بالتحيز بناءً على آرائهم المسبقة حول ملفات الهجرة.
تتأزم الوضعية بالنسبة للمهاجرين، حيث يتم ترحيلهم إلى ألبانيا بموجب اتفاق تم التوصل له بين إيطاليا وألبانيا العام الماضي، والذي يهدف إلى تسريع إجراءات منح الحماية الدولية. وفي هذا السياق، يصف الباحث مصطفى أزعيتراوي هذه السياسة بأنها نوع من “التعاقد الخارجي” لمعالجة الهجرة، مما ينتهك تعهدات القوانين الأوروبية المتعلقة بحماية حقوق المهاجرين. وبناءً على ذلك، يظهر أن الحكومة اليمينية تتبنى سياسات صارمة تهدف إلى تقليل أعداد الوافدين.
في المقابل، يتبنى اليسار الإيطالي رؤية إنسانية تتعلق بحقوق المهاجرين، ويرى أن دمج المهاجرين يمثل جزءًا جوهريًا من بناء مجتمع متعدد الثقافات. تدعو الأحزاب اليسارية لتبني سياسات تحمي حقوق المهاجرين بدلًا من تجريدهم من حقوقهم الأساسية. وتعكس مساعي القاضية سيلفيا ألبانو تلك الاحتياجات الإنسانية التي تتطلب التوازن بين القوانين الوطنية والدولية.
وفي الختام، يظل ملف الهجرة في إيطاليا محط اهتمام وصداع سياسي، حيث تتصادم الأفكار المتباينة بين الحكومات المتعاقبة والسلطة القضائية، مما يعكس عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه البلاد. ويُتوقع أن تستمر النقاشات والمواجهات حول هذا الموضوع، مما يشكل تحديًا حقيقيًا للنظام القانوني والسياسي في إيطاليا.